
كتب زياد البيطار في نداء الوطن:
في باحة بكركي أقيم اللقاء بعد استكمال كل الترتيبات التنظيمية والتقنية ليخرج بأبهى صورة. وجمع الحدث أكثر من 15 ألف شاب وشابة من مختلف المناطق اللبنانية بهدف تجديد الرجاء وتعزيز الإيمان.
وصل البابا في السادسة مساءً على وقع ترتيلة خاصة أُعدّت للزيارة، ترافقها ترانيم شبابية تؤديها الجوقة مع الأوركسترا بقيادة مارك مرهج. وجال الحبر الأعظم في الـ Papamobile مباركًا الشبيبة المحتشدة، قبل أن يتوجّه إلى المنصّة الرسمية حيث استقبله سبعة شبان وشابات يمثلون الكنائس الكاثوليكية السبع في لبنان.
تلا ذلك تقديم سبع تقدمات رمزية أمام مذود الطفل يسوع، تعكس معاني وتجارب عاشها لبنان خلال السنوات الماضية. ومع كل تقدمة، قُرئت صلاة قصيرة، ثم قُدّم الطفل يسوع رمزًا لملك السلام. بعدها تلا البابا صلاة الافتتاح، ثم ألقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كلمة ترحيب باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان.
وتضمّن اللقاء قراءة من إنجيل القديس يوحنا، قبل الانتقال إلى مشهديّة خاصة جسّدت مسار معاناة اللبنانيين خلال السنوات الأخيرة، من الثورة إلى الانهيار الاقتصادي، مرورًا بجائحة كورونا، انفجار الرابع من آب، الهجرة، والحرب الأخيرة، ضمن لوحات صوتية وبصرية تنتقل من الظلمة إلى الرجاء.
وألقى بعدها البابا لاوون الرابع عشر كلمة موجّهة إلى شبيبة لبنان والشرق والعالم، حملت رسائل سلام وإيمان وصمود ورجاء. وذكر البابا قديسي لبنان، مركّزًا بشكل خاص على سيرة القديس شربل الذي زار ضريحه في دير مار مارون في عنايا، وتوجّه إلى الشباب بالقول: “اقتدوا به”.
وقد شكّلت عبارة البابا: “أنتم مدعوّون إلى أن تكونوا بُناة سلام” النقطة الأكثر تأثيرًا في كلمته، إذ لاقت تفاعلاً لافتًا بين الشباب خلال اللقاء.
وخلال التغطية الصحافية التي رافقت الحدث، عبّر عدد من الشبان اللبنانيين في حديثهم لـ “نداء الوطن” عن أملهم بأن يمنح البابا لبنان نعمة السلام، مؤكدين أنهم تعبوا من دوّامة الحرب ومن هاجس الهجرة القسرية، وأن رغبتهم الكبرى هي البقاء في وطنهم وبناء مستقبلهم فيه.
واكتسب اللقاء رمزية خاصة تركت أثرًا عميقًا في نفوس الشباب، إذ استعان البابا بعبارة سلفه القديس يوحنا بولس الثاني: “السلام لكم”، وهي الجملة التي دوّى معها التصفيق مطولًا وامتزجت بزغاريد النساء، في مشهد أعاد إلى الأذهان محطات تاريخية عاشها اللبنانيون سابقًا. وبدا كأن البابا يوجّه رسالة مباشرة إلى اللبنانيين مفادها: “كما قال سلفي، أقول لكم… أنا أيضًا سأبقى معكم وأمنحكم سلامي”.
وتزداد رمزية الحدث عند استحضار اللقاءات التاريخية السابقة بين الشباب اللبناني والباباوات. ففي أيلول 2012، شكّلت زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر محطة بارزة تحت شعار “شركة وشهادة”، وتميّزت حينها أيضًا بلقاء مؤثر مع الشبيبة في بكركي، حيث قال لهم: “لا تخافوا، تقبّلوا الآخر باختلافه، ولا تتجرّعوا عسل الهجرة المرّ”.
أما المشهد الأكثر رسوخًا في ذاكرة اللبنانيين فهو لقاء البابا يوحنا بولس الثاني بالشباب في أيار 1997 تحت عنوان “رجاء جديد”. يومها كرّس البابا أرض لبنان في زمن الوصاية السورية، والتقى آلاف الشباب في حريصا. كانت تلك المرحلة مختلفة بكل معانيها: دموع تُذرف، أعلام لبنانية ترفرف، أفواه مُكمّمة عمدًا، وشارات سوداء ارتداها المشاركون ليُظهروا للبابا كيف كانت أصواتهم تُقمع وتظاهراتهم تُحاصر، وكيف كان الشباب يُضربون ويُعتقلون فقط لأنهم يهتفون: “حرية، سيادة، استقلال”.




