سلايدات

من دورة سريعة إلى قفص الاتهام… نهاية طبيب التجميل الوهمي

في سوق تجميلي يزداد اتساعاً وفوضى، ويغيب عنه الحد الأدنى من الرقابة، برز شاب يدعى ع. ن. ك. مقدّماً نفسه كطبيب تجميل، يجري عمليات بوتوكس وفيلر وشفط دهون داخل صالونات لا تخضع لأي إشراف طبي. لم يحمل الرجل شهادة، ولا ترخيصاً، ولا تدريباً مهنياً فعلياً، بل دورة قصيرة عبر الإنترنت لخمسِ أيام، اكتفى بها ليمارس حقناً في وجوه سيدات يجهلن تماماً أنه ينتحل صفة طبية ويحمل بين يديه مواد مجهولة المصدر قد تسبّب تشوّهاً دائماً أو تسمّماً خطيراً.

هذا الخطر غير المرئي دفع جهاز أمن الدولة إلى التحرّك، ووضع الملف مباشرة أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، التي تعاملت مع القضية منذ اللحظة الأولى بوصفها مساساً مباشراً بالصحة العامة.

يوم الأربعاء 26 تشرين الثاني 2025، تلقّى مكتب بعبدا إشارة رسمية تتضمّن معلومات عن نشاط غير شرعي يقوم به ع. ك. في مجال التجميل. ومع بدء الاستقصاءات، ظهرت مقاطع فيديو عدة توثّق قيامه بحقن سيدات بمواد تجميلية مختلفة، مع ظهوره باسمه ووجهه، ما رفع منسوب الشبهات إلى مستوى الخطر الفعلي.

ومع اكتمال المعطيات الأولية، جرى التواصل عند الساعة الواحدة مع النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامي صادر، الذي أعطى إشارته الفورية بتوقيف المشتبه به وضبط المواد والأدوات التي يستعملها، ومتابعة التحقيق بصورة موسّعة.

وفي الرابعة إلا ثلثاً من اليوم نفسه، أوقفت دورية من المكتب المذكور ع. ك. في الحازمية، وكان يحمل حقيبة بداخلها مصلُ سوديوم، نصف حقنة بوتوكس، أربع حقن فارغة، وعلبة lipolap تحتوي على عشر حقن كاملة. نُقل الموقوف إلى مكتب بعبدا، حيث تليت عليه حقوقه القانونية وفق المادة 47، وبدأ التحقيق معه.

اعترف ع. ك. أنه تابع دورة تدريبية أونلاين لخمسِ أيام فقط على يد شخص يُعتقد أنه طبيب مصري، وأنه أُبلغ بأن التجميل غير الجراحي لا يحتاج إلى شهادة طب. وأوضح أنه حقن سبعة أشخاص دون أن يتلقى أي شكوى، وأنه كان يتزوّد بالبضائع من مصادر متعددة: م. أ. ح. في الضاحية الجنوبية، شركة غير معلومة عبر عامل توصيل، المدعوة ف.، إضافة إلى شراء الفيلر من ب. م. المعروف بلقب “أبو آدم”. كما أقرّ بتنفيذ عمليات داخل صالونات ز. بيوتي، ول.، وب.، وكذلك لزبونات في الحمراء، مؤكداً وجود مقاطع فيديو توثّق عمله.

بعد مراجعة النيابة العامة وتثبيت الإفادات، أصدر القاضي صادر إشارة بتوقيف ع. ك. ومداهمة الصالونات التي وردت أسماؤها، بمؤازرة وزارة الصحة.

وفي صباح 27 تشرين الثاني، نفّذت دورية من المكتب، يرافقها طبيب من وزارة الصحة، سلسلة كشوفات في صالوني ل. وب. في الجاموس من دون العثور على مخالفات. غير أنّ المفاجأة كانت داخل صالون ز. بيوتي في حارة حريك، حيث وُجدت حقنة فيلر مستعملة كان قد استخدمها المشتبه به لتكبير شفاه موظفة، ولا تزال بداخلها نصف الكمية، إضافة إلى آلة ليزر نوع max.iii بلا أي ترخيص.

التقرير الطبي أشار بوضوح إلى وجود مخالفات جدّية وخطر مباشر على صحة المستفيدات، مع توصية بختم المحل بالشمع الأحمر.

وعند الساعة الواحدة والنصف من اليوم نفسه، أعطى القاضي صادر إشارته بختم الصالون بالشمع الأحمر، واستدعاء صاحبته ف. خ.، وضبط المواد والأدوات كافة، والتوسّع في التحقيق ليشمل صالوناً آخر في منطقة الحمراء.

ومع اكتمال الوقائع، ادّعى القاضي سامي صادر على ع. ك. بمواد جنائية تتعلق بانتحال صفة طبيب وممارسة أعمال طبية دون ترخيص، استناداً إلى المادة 419 من قانون العقوبات وما يرتبط بها من مواد تتعلق بتعريض الصحة العامة للخطر واستعمال مواد غير مرخّصة. وهي جرائم تصل عقوباتها إلى الحبس والغرامة، وتُشدّد في حال ثبوت وجود خطر فعلي على السلامة الجسدية.

هكذا اكتملت المرحلة الأولى من مسار قضائيّ دقيق:

من فيديوهات أولية… إلى توقيف… إلى مداهمات… إلى ختم بالشمع الأحمر… وصولاً إلى ادعاء جنائي صريح. ويبقى الملف مفتوحاً أمام القضاء المختص حتى تتضح المسارات النهائية للمحاسبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى