
كتبت د. فاديا كيروز في اللواء:
بالأمس البعيد حاول الرئيس رشيد كرامي، وكان رئيساً للحكومة ووزيراً للمالية في عهد الرئيس شارل حلو أواسط الستينات، أن يرفع سعر صفيحة البنزين ربع ليرة فقط، ليصبح سعرها سبع ليرات ونص الليرة، ولكنه إصطدم بمعارضة نواب المعارضة، وفوجئ بردة الفعل الواسعة في صفوف النقابات والإتحاد العمالي. فبقي سعر البنزين على حاله.
في أواسط التسعينات إقترح الرئيس رفيق الحريري، في ذروة ورشة إعادة إعمار ما دمرته الحرب، زيادة الرسم المالي المفروض على صفيحة البنزين خمس ليرات فقط، فقامت الدنيا ولم تقعد من المعرقلين الدائمين لخطط الإعمار والنهوض الإقتصادي، فضلاً عن تحرك النقابات العمالية والسائقين العموميين المعارضين لزيادة أسعار البنزين. فصُرف النظر عن إقتراح الخمس ليرات.
بالأمس القريب، وفي تشرين الأول عام ٢٠١٩، إقترح وزير الإتصالات في حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة محمد شقير، وضع رسم بحدود سبع سنتات فقط، على إستخدام تطبيق الواتس آب على الهواتف الخليوية، فإندلعت شرارة الإنتفاضة التي عمّت مختلف المناطق، شمالاً وجنوباً، جبلاً وبقاعاً، ونزل الشباب إلى الساحات، وأقفلوا الشوارع، وتظاهروا تحت العلم اللبناني، وهتفوا ضد المنظومة السياسية الفاسدة، وتوحّدوا ضد الطائفية والمناطقية، ورفعوا الشعارات التغييرية، وصمدوا أمام المواجهات القمعية، قبل أن تخترق طوابير المندسين والمخربين صفوفهم، وتُداهمهم جانحة الكورونا.
اليوم صفيحة البنزين تجاوزت المليون ليرة، فواتير الخليوي تتضاعف شهراً بعد شهر مع إرتفاعات الدولار على منصة «صيرفة»، أسعار الرغيف والسلع الغذائية الضرورية تُحسب بالدولار الأسود المستمر في رحلته التصاعدية اليومية، والبيوت تغرق بالعتمة منذ سنة، والمصارف تُمعن في إذلال أصحاب الودائع، ونسبة الطلاقات والإنتحارات بإرتفاع مخيف.
…ورغم كل ذلك الناس ساكتة، والسلطة عاجزة، والمنظومة ماكرة، والمصارف فاجرة، والأدوية نادرة، والحلول غائبة،