سلايداتمقالات

موت السياسة وما بعد الإنهيار

كتب رفيق خوري في نداء الوطن:

تكامل الإنهيارات في لبنان ليس نوعاً مما سماه جوزف شومبيتر “التدمير الخلاق”. ولا هو بالطبع جزءاً مما كان مخطط المحافظين الجدد في أميركا تحت عنوان “الفوضى البناءة” من أجل “بناء الأمم”. إنه تعبير عن موت السياسة التي عانت من مرض لا شفاء منه. مرض السياسة جاء من إشتراكات داخلية وخارجية، بحيث كلما تبدلت الأدوار وموازين القوى في الإقليم ومن حوله، حدثت هزة وطنية وسياسية في لبنان، وتعطلت المؤسسات بقوة العصبيات التي يلعب بها أمراء طوائف جشعون يرون فرصة لتسجيل أرباح على حساب خاسرين. وموت السياسة بمعناها النبيل، وهو إدارة شؤون الناس بكفاية ونزاهة، كان قدراً لا يرد عندما تتحول السياسة الى عناد ونكد وتفاهات ونكايات وتوظيف الخراب والتناحر الداخلي والإرتباط بالخارج في خدمة النفوس الصغيرة التي تحتل المسرح.

 

والشائع حالياً سرديتان: واحدة يكررها “محور الممانعة” قوامها أن أميركا تفرض حصاراً على لبنان ضمن سياسة تركه ينهار تماماً لكي يعاد بناؤه بشكل أسهل. وأخرى يرددها “محور السيادة” خلاصتها أن “حزب الله” الذي يمثل صعود الشيعية السياسية والمرتبط بجمهورية الملالي ممثلة صعود الدور الإقليمي لإيران يعملان لمشروع وراثة لبنان المنهار لإقامة لبنان آخر يحكمه مرشد هو وكيل المرشد الأعلى الولي الفقيه.

 

والسؤال، بصرف النظر عن تسمية العقوبات الأميركية على إيران و”حزب الله” حصاراً للبنان، وعن المشروع الذي تعمل له “المقاومة الإسلامية”، هو: ماذا تريد واشنطن أن تفعل بلبنان وله؟ وما الذي يستطيع “حزب الله” فعله بعد الإنهيار الكامل للبلد؟ والجواب مكتوب على الجدار. أميركا التي تخفف إلتزاماتها في الشرق الأوسط كله للتركيز على الشرق الأقصى حيث الثروة والقوة والتحديات، هي حتماً محدودة الإهتمامات في لبنان. و”حزب الله” الذي يعمل على أساس أنه يملك فائض القوة، يدخل في ورطة محلية مع الطوائف وإقليمية دولية جيوسياسية. فضلاً عن حساب الأزمات المالية والإقتصادية والديون ومصير الودائع في المصارف، إذا أراد إقامة لبنان آخر تحت سلطته.

 

وحين تموت السياسة، فإن الديمقراطية تسبقها الى القبر. وما يبقى مجرد هيكل فارغ لجمهورية التعطيل والتمديد والتهديد بالفراغ الطويل. فنحن في أسوأ نوع من فيديرالية الطوائف. والأخطر في هذه الفيديرالية هو إدارة الديمقراطية بالسلاح. والكل يذكر أن ياسر عرفات أيام “حكمه” للبنان كان يفاخر بما سماها “الديمقراطية في غابة سلاح”. وكان التعبير هزلياً. فلا ديمقراطية بالسلاح. والخلافات بين الفصائل الفلسطينية وداخلها كانت تقود غالباً الى إشتباكات بالسلاح. والوقت حان لأن ندرك جميعاً أنه لا أحد أو طرف أو بلد لديه حل للبنان المنهار تماماً.

 

في كتاب جديد يستشهد البابا فرنسيس بقول الشاعر هولدرن:

 

“حيث الخطر تنمو هناك دائماً قوة الإنقاذ”. وهذا ما نأمل فيه ويجب أن نعمل له، فلا يكون مجرد عزاء لبلد منكوب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى