كتب جهاد الزين في النهار:
يتعرّض النظام الديني الإيراني- نظام رجال الدين الشيعة بقيادة ولاية الفقيه – إلى ثورة محورها النساء. هذه ثورة في الرمز والعمق الاجتماعي تعني نهاية بعض أهم الأسس التي قامت عليها الثورة الإيرانية بل نهاية الثورة ثقافيا واجتماعيا حتى لو لم تنته سياسيا لا بل تعني انكشاف النظام الإيراني كمجرد نظام تسلّط مستمر بقوة القمع والسلاح وتأييد جزء أقلّي من المجتمع الإيراني.
لقد عرّت المرأةُ المدينية الإيرانية بشجاعتها لا نفسَها من #الحجاب فحسب، بل عرّت العمامةَ الإيرانية وبات رجال الدين الإيرانيون، لو شئنا التجريد، رؤوساً صلعاء لا عمامة تسترهم بل لا عمامة قادرة بعد اليوم على حمايتهم الرمزية.
المرأة ضدالحجاب والعمامة معاً في مجتمع للمرأة المدينية فيه تراث عريق من الممارسة التحررية الاجتماعية والمساهمة في التحولات السياسية التي أوصلت إلى الثورة عام 1979.
المرأة ضدالحجاب والعمامة معاً تطلق صيحاتها المدوية لمعركة لا تعني فقط مقاومة التسلط بل تعني أن ملايين من النساء الإيرانيات يرسمن بشجاعة مسار مواجهة التسلط السياسي.
يفقد النظام الإيراني أحد رموزه التي ساهمت بإبهار العالم عام 1979, وهو الحجاب المتصل طبعا بالعباءة، حتى أن العالم ارتدى العباءة تلك الأيام معجباً بالحجاب كرمز لتحرر المرأة. وستكتب الباحثة السوسيولوجية التركية “نورفر غول” كتابها عن النساء التركيات تحت عنوان: “مسلمات وحداثيات” تصف فيه كيف تحوّل الحجاب إلى أداة تحرر للمرأة من سلطة الأب والعائلة والتقاليد في المجتمع التركي.
ها هي الأمور تنقلب رأساً على عقب بعد أن تحوّل خلع الحجاب إلى رمز مقاومة التسلّط والنظام الديكتاتوري. وفي الحقيقة من زار إيران في التسعينات من القرن المنصرم وما بعدها كان سيشاهد بأم العين كيف حدث التحول وصار التمرد على الحجاب، والأدق يومها تخفيف شدته وصرامة تطبيقه، عنواناً شبه شامل في المجتمع المديني الإيراني إلى أن وصل الوضع حد الانتفاض والمطالبة النسائية بخلعه كاملاً.
يتعطّش ملايين الشباب والشابات الإيرانيين، في بلد بلغ تعداده 84 مليون نسمة، إلى تبني بلادهم قيم التنوع والليبرالية الغربية رغم عمق تقاليد الوطنية الإيرانية التي لا تتناقض على هذا الصعيد القِيَمي مع الانشداد إلى الحداثة الغربية.
صحيح أن نضالات النساء والحركات النسائية أصبحت شاملة وريادية في كل مكان في العالم، وفي المجال السياسي في بعض الدول كماحصل في تونس حين ساهمت الحركة النسائية العلمانية التونسية في صد صعود الإسلاميين ثم إسقاطهم. لكن ما يحدث في إيران اليوم هو تكثيف غير مسبوق لعلاقة الدين بالسياسة تجسّده وتتولاه النضالات النسائية.
الاعتراض العام السياسي كان يُحْدِث تمزقاتٍ في العمامة الإيرانية الحاكمة. أما الثورة النسائية الحالية فتصيب الرمز الحساس، الحجاب،وتفقده “رجوليته” السلطوية بمعنى أنها تُفقِد بالاعتراض الواسع و الجريء على فرْضه، الذكوريةَ الدينية سلطويّتَها. ولو على المستوى الرمزي.
يعج الأدب النسائي الإيراني بحجم كبير من النتاج الممنوع داخل إيران: تجارب نسائية في السجون، مذكرات شخصية، في البيت والعائلةوالعمل والجامعة، عدد من “بطلات” هذه الكتابات يعشن في الخارج وأخريات إما مضطهَدات في الداخل أو فارقن الحياة.
لن يكون سهلاً “خروج” هذه القوى الاجتماعية الشبابية في المدن على النظام الديني. آلة القمع المؤدلجة بدأت بالقمع الشديد. هذا ما نراه على الشاشات، فكيف ما لا نراه!
إنها “لحظة” في إيران… نادرة من حيث أن “الأيديولوجيا” (الحجاب والنساء) “تتمرّغ” في الشارع. ذروة الرمز على الأرصفة والساحات ومابينها. فالثورة الإيرانية التي برعت قبل أربعين عاما في استخدام الرمز تَحْمُل الثورةُ المضادة الحالية فيها وهي تحاول أن تحطّم الرمز من حيث هو سلطة وعلاقات، كلَّ طاقتها على التعبير: نزع الحجاب بالشجاعة والفعالية الأكثر بساطة.