
كتب إبراهيم حيدر في صحيفة النهار:
أحدث الانهيار في #لبنان ما يشبه الزلزال في #الجامعات اللبنانية. فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الجامعات العريقة والتاريخية المصنفة عالمياً لإعادة ترتيب أوضاعها وتجاوز الأزمات، الا أنها لا تزال تواجه العواصف بعدما تلقت ضربات أدت إلى تراجعها، وساهم في ذلك فساد السلطة السياسية ومحاصصاتها الطائفية وتغطيتها لمخالفات الجامعات التجارية، وعجز الدولة عن تأمين الرعاية والحماية وتوفير الحصانة لتتمكّن الجامعات التي تلتزم المعايير الأكاديمية من التقدّم والمنافسة عربياً وعالمياً.
الجديد في وضع الجامعات اللبنانية هو ترتيبها في تصنيف التايمز للجامعات 2023، فقد تضمن التصنيف 5 مؤسسات تعليم عال لبنانية استوفت المعايير التي يحددها التصنيف العالمي، حيث انتزعت دول عربية ريادة #التعليم العالي من لبنان، الذي احتل تاريخياً المركز الأول في المنطقة بجامعاته التي تأسّست منذ القرن التاسع عشر. ليس تفصيلاً أن يختار التصنيف 21 جامعة سعودية و16 مصرية، فيما يبقى لبنان حتى في ترتيب الدرجات في مرتبة متأخرة، علماً أن الجامعة الاميركية في بيروت احتلت المركز التاسع عربيا وجاءت في المرتبة 301- 400 تليها الجامعة اللبنانية الاميركية في المركز 20 عربياً، ثم جامعة بيروت العربية والجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف.
يدل التصنيف الجديد على أن الجامعات اللبنانية العريقة تغالب الانهيار، وتعمل على إعادة ترتيب أوضاعها، لكن وفقاً لما سجلته في المعايير فقد كانت الازمة واضحة، لجهة فقدان أساتذة أكفاء، إلى أوضاعها المالية، ومن بينها الجامعة اللبنانية، ورغم ذلك تصمد بما تملكه من رصيد وباللحم الحيّ للبقاء، فتفتح على طاقاتها في العالم وخرّيجيها ومراكزها المتخصّصة، للعودة عربياً وعالمياً.
وعلى الرغم من المعايير الدقيقة والمتشددة التي يضعها تصنيف التايمز، إلا أنه يعكس التأثير الكبير للقدرات المالية في تحسين وضع الجامعات في الترتيب العالمي، وهي إذا أُحسن استثمارها في الطاقات العلمية والبنى التكنولوجية والأساتذة وتعزيز البحوث يمكن عندئذ تثبيت مواقعها انطلاقاً من المعايير المحدّدة في التصنيفات، ولذا كان واضحاً أن ما تتمتع به الجامعات العربية من قدرات وإمكانات ودعم من دولها، مكّنها من التقدم خصوصاً الجامعات السعودية والإماراتية لتتصدّر التصنيفات الدولية عربياً، ولتنتزع من لبنان مراكز الصدارة والسمعة الأكاديمية.
يكتسب تصنيف التايمز أهمية للجامعات التي تعطي اهتماماً كبيراً لأعمال البحث وجودتها والسمعة الاكاديمية، وهذا يعني أن بقاء 5 جامعات لبنانية في لوائح التصنيفات وتثبيت مواقعها مؤشر جيد ضمن الالتزام بالمعايير، لكن تراجع أعداد الطلاب لدى الجامعات التاريخية، ليس اللبنانيين فحسب إنما ايضاً الطلاب العرب والدوليين، وعدم القدرة على التعاقد مع أساتذة في الخارج لديهم جوائز دولية، يؤثر سلباً على أوضاع تلك الجامعات المصنفة، فالانهيار أدى إلى تراجع القدرات المعيشية لدى اللبنانيين ولم يعد لدى الاكثرية منهم تأمين الأقساط الجامعية المناسبة لتعليم نوعي، فاستفادت ضمن منظومة #الفساد القائمة، الجامعات التجارية التي لا تحظى بأي تصنيف أكاديمي علمي.
أُدرجت 97 جامعة عربية في تصنيف التايمز 2023، من بين 186 شاركت في التصنيف، وتأهلت 1799 جامعة عالمية. خمس جامعات لبنانية دخلت التصنيف وإثنتان قيد التقرير والبحث، وجاءت ثلاث منها ضمن لائحة الألف وإثنتان بين ترتيب الـ1000 و1500. يُستنتج أن هناك تغييرات ينبغي على مؤسساتنا العريقة أن تأخذها بالاعتبار لججهة إعادة التقييم والبحث، فهذه التغييرات نزعت ريادة الجامعات اللبنانية التي صمدت رغم مغالبة الوضع الصعب والانهيار وتهاوي العملة الوطنية وانكسار التميّز الأكاديمي في البلد الذي خرّجت جامعاته الأولى أكثر الكفاءات العربية.
جامعات لبنان مدعوة إلى التفكير والتخطيط. التركيز على البحوث هو الوظيفة الأكاديمية الأولى للجامعات، ومنها ينطلق التقويم الحقيقي للمستوى الذي تغنّى به لبنان سابقاً. والأهم عدم الاكتفاء بما تحقق من إنجازات كي لا نخرج من التاريخ!