كتب سركيس نعوم في النهار:
يتعرّض اللبنانيون الى “هبّة باردة” وأخرى “ساخنة” كل يوم وأحياناً أكثر من مرة في اليوم الواحد جرّاء إقتراب موعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون بعد أحد عشر يوماً تقريباً، وعدم نجاح الأفرقاء السياسيين المختلفين على كل شيء في الإتفاق على رئيس يخلفه، كما جرّاء الإختلاف بين عون ورئيس حكومته الأخيرة المستقيلة منذ أشهر المكلّف تأليف أخرى جديدة نجيب ميقاتي على الوزراء فيها، وحرص كل منهما على أن تكون له داخلها الكلمة الفصل ولا سيما في حال مارست صلاحيات الرئاسة الأولى لتعذّر إنتخاب رئيس جديد ودخول البلاد فراغاً رئاسياً لا يعرف أحد مدته. ما يزيد قلق اللبنانيين الإجتماعات المتلاحقة للوسطاء ولأطراف المشكلة الصعبة في آن منذ أيام قليلة والإيحاء بأنها ستنجح في تعبيد الطريق أمام حكومة تُرضي رئيس الجمهورية ورئيس السلطة التنفيذية أي عون وميقاتي، ثم إستمرار الفريقين وعلى المستويات في تبادل الهجمات الإعلامية الحادة والمبالغة في المطالب الحكومية. في هذا المجال لا بد من الإشارة الى الدور الكبير والعلني الذي يقوم به “حزب الله” مع حليفه “التيار الوطني الحر” بمؤسّسه عون ورئيسه الحالي باسيل ومع “صديقه” رئيس الحكومة المستقيلة والرئيس المكلّف من أجل إقناعهما بتنازلات متبادلة تلافياً لشغورين في رئاسة الجمهورية وفي السلطة التنفيذية في وقت واحد. لكن لا بد من الإشارة أيضاً الى صعوبة النجاح في ذلك رغم عدم إستحالته.
هل من معلومات عن مساعي “حزب الله” المُشار إليها وعن مواقفه الفعلية من القضيتين المستعصيتين على الحل والمشروحتين أعلاه؟ تفيد معلومات متابعي “الحزب” من قرب من اللبنانيين “أنه لا يزال هناك أسبوعان أو بالأحرى 11 يوماً قبل إنتهاء ولاية الرئيس عون والمهلة الدستورية لإنتخاب بديل منه. فوزيرة الخارجية الفرنسية السيدة كولونا أبلغت الى من التقتهم من المسؤولين والأطراف اللبنانيين ومنهم رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النيابية الحاج محمد رعد: “بادروا لا يزال هناك وقت، وأقدموا على إنتخاب رئيس”. لكن منطقياً صار إنتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية صعباً جداً وربما مستحيلاً. علماً أن العمل لتحقيق ذلك مستمر حتى الآن وسيبقى مستمراً. سوف نرى (أي “الحزب”) ما يحصل نتيجة جهودنا وجهود الآخرين. قيل أننا كنا مع حكومة وشدّدنا على ضرورة تأليفها في سرعة لأننا لا نريد رئيساً للجمهورية أو لأننا كنا نرى تعذّر إنتخاب رئيس جديد ونُدرك أسباب ذلك. لكن حقيقة موقف “الحزب” مختلفة. كنا مشددين على إنتخاب رئيس ولا نزال. ثم شدّدنا على ضرورة تأليف حكومة عندما رأينا أن تعذّر إنتخاب رئيس للجمهورية كبير. يجب عدم ترك البلاد في متاهة خلاف دستوري مثل هل الحكومة شرعية أو غير شرعية ولا تستطيع ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية إذا كانت مستقيلة ومصرّفة للأعمال. وكنا نرى ونسمع في الوقت نفسه تهديدات النائب جبران باسيل. وإذا استمر ذلك فإننا “لا نعود نخلص”. في كل الأحوال نحن نسعى وغيرنا كذلك وسنرى ماذا يحصل”.
ماذا عن الإنتخابات الرئاسية وموقف “حزب الله” منها؟ وهل له مرشّح رسمي وإن غير مُعلن أم لا؟ أجاب المتابعون من قرب أنفسهم له من اللبنانيين أن “الحزب” يقول: “نحن نؤيّد زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية، لكن لا نُعلن ذلك ولن نُعلنه قبل تأمين تفاهم بينه وبين جبران باسيل يؤمّن لفريقنا 70 الى 73 نائباً. وذلك كاف لتأمين نصاب جلسة الإنتخاب ورئيس للبلاد لاحقاً في الجلسة النيابية الثانية أو بالأحرى بعد التصويت الأول الذي يحتاج الى 86 صوت نيابي. طبعاً نحن نحب في سليمان فرنجية وضوح موقفه السياسي وحلفه معنا ومع سوريا ووقوفه مع “الخط”. لكننا نعرف أنه ليس عنده مشروع رئاسي جدّي وقابل للتنفيذ أي سياسي وإقتصادي وإداري ومالي. وجبران أفضل منه في هذه الناحية. لكنه رغم ذلك لن يصبح رئيساً للجمهورية. فهو لا يستطيع أن “يضب لسانه” الذي يسبق عقله دائماً. لذلك لن نُعلن موقفنا من هذا الأمر قبل أن نؤمّن تفاهماً بين فرنجية وباسيل. نحن نستمر في حضّ الطرفين على التفاهم لكننا لم ننجح في ذلك حتى الآن. لا يمانع جبران في إجتماع مع سليمان لكن سليمان يريد موافقة جبران و”تياره” على رئاسته قبل الإجتماع معه. طبعاً هناك المواقع في الدولة على اختلاف مؤسّساتها وإداراتها. سفيرة أميركا في لبنان زارت فرنجية في بنشعي وقالت له: “نحن لا نعترض على ترشيحك We don’t mind. لكن السعودية قالت لا”. أين هم المرشّحون الموارنة لرئاسة الجمهورية؟ أين مشروعاتهم؟ ما في شيء حتى الآن أو لم يعرض أحد علينا مشروعه إذا كان موجوداً”.
هل يساعد الإتفاق على الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل في الجنوب في إجراء إنتخابات رئاسية في موعدها أولاً ثم في إيصال الشخص الذي “عمل أكثر من غيره” لتحقيق هذا “الإنجاز” الى الرئاسة؟ الجواب عن هذا السؤال صعب. فرئيس الجمهورية يعتبر صهره باسيل ومرشّحه للرئاسة صاحب الفضل الأول ومن زمان باعتباره “مُكتشف” ثروة لبنان النفطية والغازية ومُعدّ كل المراسيم والقرارات ومشروعات القوانين وغيرها استعداداً للتنقيب ثم الإستخراج. ونائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب “العوني” لا “التياري” بمعنى الباسيلي يعتبر نفسه مساهماً أولاً في إنجاز الترسيم وهذا حق له لكن يخشى البعض أن يثير نجاحه رغبةً “رئاسية” عنده وربما سعياً لتحقيقها عند بدء البحث في “الإصلاحات” التي لا بد منها في النظام اللبناني لتمكين غير ماروني مثله من الوصول الى الرئاسة. خطأ باسيل أنه عبّر عن “دوره” الإستثنائي في الإعلام وتحديداً لوكالة “رويترز” فنشرته. لكن سفيرة أميركا في لبنان دوروثي شي نفت ذلك في تصريح للوكالة نفسها. لعل ما قاله سفير دولة عربية مهمة وكبيرة في جلسة عشاء على الأرجح مع رجالات لبنانية سياسية مهمة كان الجواب الصحيح عن سؤال: من أنجز الترسيم أو سهّله وساعد في إتمامه. وما قاله كان: “مع إحترامي لكل الرؤساء لا الرئيس عون ولا الرئيس بري ولا الرئيس ميقاتي ولا أنت (…) أنجزوا الترسيم أو فتحوا الطريق له. هذا إتفاق أميركي – إيراني – إسرائيلي أخرجته فرنسا ولعبت فيه قطر دوراً لا بأس به في نهاية التحضير له”.