كتب وليد شقير في نداء الوطن:
إلى التمرين الرابع، الإثنين المقبل لمشهد الاستحقاق الرئاسي. وقد يكون هناك تمرين خامس وسادس تحت قبة البرلمان، على العجز عن انتخاب الرئيس الجديد، قبل 31 تشرين الأول، يسهم في كشف المزيد من الأوراق المستورة ويختبر مدى التشظي فيه، وفي كتلة النواب «التغييريين» وغياب الخيارات عند نواب كتلة «الاعتدال الوطني»، وصعوبة تأمين الأكثرية من قبل الفريق الموالي للعهد و»حزب الله».
الدوامة ستتكرر ومدير اللعبة، الرئيس نبيه بري يترك لكافة القوى السياسية أن تستنفد ما لديها خلال المهلة الدستورية، لعلّه يصبح ممكناً البدء في البحث عن تسوية حول الرئاسة، بعدها، حيث يتوقف الأمر على مدى استعداد «حزب الله» للتنازل عن بعض شروطه التي كررها في الأيام الماضية تحت عنوان التزام الرئيس الجديد بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة.
في الانتظار تبدو جهود تأليف الحكومة الجديدة، أكثر من «تقطيع للوقت». فهذه العملية تشهد تحركاً اضطر «الحزب» لأن ينزل بـ»قدّه وقديده» من أجل إنجازها في الأيام التسعة المتبقية لتصبح واحدة من وسائل استدراك الفراغ الرئاسي وإدارته، ما يعني أنه سيطول، أو أنّه من المفيد التلويح بورقة إطالته من أجل استدراج عروض التفاهم على شخص الرئيس المقبل. وهنا التناقض الفاضح. فالتركيز على الحكومة التي التزم «حزب الله» السعي لتشكيلها، يعني سلفاً إهمال الأولوية الأساس، التي تغني عنها، أي انتخاب الرئيس الجديد، خلافاً لكافة التقديرات بأنّ ولوج الفراغ الرئاسي هذه المرة سيكون ضاغطاً على الجميع من أجل ملئه في سرعة وعدم تكرار تجربة الفراغات الرئاسية التي تمتد أشهراً كما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق إميل لحود، وأكثر من سنتين كما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان.
بات تشكيل الحكومة واحداً من أوراق «حزب الله» التفاوضية على الرئيس الجديد وهويته والتزاماته، وليس مطلباً لثنائي الرئيس ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل وحده، الذي يريد من خلالها ثمناً يعوض له خروج عون من القصر الرئاسي، خلال مرحلة الشغور الرئاسي. ولا يتوقف «الحزب» عند الابتزاز الذي يمارسه باسيل عليه عبر تحكم أصوات كتلته النيابية بأكثرية الثلثين، حتى لو تمكن «الحزب» من صياغة تسوية ما مع كتل نيابية هي حالياً في صف المعارضة له. «الحزب» يتصرّف على أنّه من المبكر التمايز عن باسيل، طالما أنّ لا تسوية بعد على الرئاسة، قد تضطره إلى الافتراق عنه في تسمية الرئيس العتيد. بل على العكس هو يريد تسليف باسيل والسعي لتلبية مطالبه لأنه يحتاج إليه في مرحلة ما بعد الرئاسة.
وقد اضطر «الحزب» إلى ممارسة ضغوطه على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي هذه المرة وليس على باسيل وحده، من أجل «الوقوف على خاطر جبران» كما أفاد أكثر من مصدر، على رغم أنه حاذر في الأشهر والأسابيع الماضية ذلك.
التفتيش عن مخارج لتأليف الحكومة بات يتقدم على الاستحقاق الرئاسي، مع اقتراب انتهاء المهلة الدستورية. ومهما جرى تغليف الأمر بمحاولة إرضاء باسيل لتجنب «الفوضى الدستورية» التي يبشّر بها منذ شهرين، فإن مسؤولية التسبب بالفراغ لن تقع على النواب «التغييريين» وخلافاتهم، ولا على نواب «الاعتدال» لأن كلا الكتلتين تخطئان بعدم حسم خياراتهما إلى جانب مرشح «السياديين» النائب ميشال معوض، بل على خيار «الحزب» المراعاة المتواصلة لحليفه العوني بهدف تسليحه بالقدرة على التحكم بالحكومة وتعطيلها، وكذلك بالعهد الرئاسي المقبل. ولهذا تداعيات تخالف ما يُشاع عن أنّ «الحزب» يرغب بتجنّب السجال حول دور الموقع السني الأول في السلطة. فالضغط على ميقاتي سيتفاعل ضد «الحزب»، وسيكون في غير مصلحة الرئيس المكلف إذا تجاوب.
ثمة من يبرر لميقاتي تقديم التنازلات في تأليف الحكومة على أساس أنّ تأليف الحكومة يقطع الطريق على استخدام الفراغ الحكومي للتغطية على الفراغ الرئاسي، ويسقط من يد «التيار الحر» ورقة إلهاء الوسط السياسي بالتشكيك بشرعية تسلم حكومة تصريف الأعمال سلطات الرئاسة. وأصحاب هذا الرأي يعتبرون أن ميقاتي سيكون كرئيس للحكومة مولجاً بالصلاحيات الرئاسية في هذه الحال، وهو الذي يضع جدول أعمال الحكومة ويقرر أي بند يقدمه على غيره. وبإمكان أي وزير من أصدقائه أن يحول دون صدور أي قرار لا يوافقه، إذا امتنع عن توقيع مرسوم أو الموافقة على قرار طالما المطلوب موافقة الوزراء كافة على القرارات. الحجة المقابلة هي أن باسيل يريد، عبر الوزراء الحزبيين- الأزلام والمستعدين لتلقي الأوامر منه، العبث بالوزارات الحساسة الثلاث التي يتولاها مسيحيون، أي الخارجية، العدل، والتنمية الإدارية، ولذلك يمتنع ميقاتي عن التجاوب مع مطلب تعيين هؤلاء، بدلاً من عبد الله بوحبيب، هنري خوري ونجلا رياشي التي أبلغ رئيس الحكومة من يلزم بأن «رجلي على رجلها».