بعد ست سنواتٍ يغادرُ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بيت الشعب الذي أمضى فيه سنوات نضال طويلة ويعود إلى الرابية حيث سيكمل نشاطَه السياسي من حيث بدأ في ال 2005، متحرّراً من قيود الرئاسة. سنواتٌ ست، فيها الأبيض والأسود وفيها الانجازات والإنتكاسات وفي خلالِها وُلد للجنرال كثيرٌ من العداوات، فما هو السبب ؟
قبل أقل من أربعٍ وعشرين ساعة على مغادرتِه القصرَ الجمهوري يخصُّ الرئيس عون موقع tayyar.org بحوار مصارحة حول تجربة الرئاسة. في السياسة يتحدث عن علاقته بالقوات وبالرئيس نبيه بري وعن رؤيته لثورة 17 تشرين، وفي القضاء حوارٌ حول مسؤولية رئيس الجمهورية في ازالة نيترات المرفأ وكلام عالي السقف عن رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود. ومع دخول لبنان في الفراغ الرئاسي مع خروج الرئيس عون من بعبدا، ماذا يكشف عن الخطوات التي ينوي اتخاذها حيال حكومة تصريف الاعمال الحالية. وختامها، كلمة من القلب إلى التياريين عشية مغادرته القصر.
عن تجربة الرئاسة:
س: يوم الأحد تغادرون فخامتكم قصر بعبدا إلى الرابية التي أمضيتم فيها سنوات طويلة من النضال، ما هو المكان الأحب على قلبكم: قصر بعبدا أم منزل الرابية؟
ج: ما من أوجه شبه بينهما. في بعبدا يخسر الإنسان من حرية حركتِه ورأيِه ويكون ملزماً بدفنِ أشياء كثيرة.
س: هل تندمون على تجربة الرئاسة؟
ج: كلا. كانت تجربة حملت الإيجابيات والسلبيات. من الإيجابيات أن الرئاسة سمحت لي أن أتأكد من حقيقة أشياءٍ كنت أشكّ بوجودها. أما أكثر السلبيات فهو اكتشاف أن المجتمع برمّته يتحدث عن مكافحة الفساد فيما غالبيتُه فاسد وهو ما اختبرتهُ عملياً.
خلال إفطار نظّم في القصر الجمهوري في ال 2019 في حضور رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ورؤساء الطوائف والرؤساء الساّبقين ووزراء ونواب وسفراء ورجال اقتصاد ومال وأشخاص ممسكين بزمام الاقتصاد، وجّهت كلمة بالمناسبة تحدّثتُ خلالها عن الفساد وحذّرتُ من الأزمة التي نحن مقبلون عليها، الكلّ صفّق لي. لكن عندما بدأتُ بمكافحة الفساد وخصوصاً في موضوع التدقيق الجنائي بدأت الصعوبات والمواجهات ولم أجد إلى جانبي أحداً من الذين صفقوا لي أو كانوا يطلقون الخطابات عن مكافحة الفساد.
س: قاتلتم (بالمعنى المجازي) للوصول إلى رئاسة الجمهورية من منطلق أنّكم الأقوى في الشارع المسيحي على قاعدة ضرورة وصول الرئيس القوي. هل ما زلتم مؤمِنين بنظريّة الرئيس القوي أم أنكم دفعتم ثمنَ قوّتكم؟
ج: ليست “دفع ثمن” وإنما خضتُ تجربة تبيّن لي فيها أن غالبيتهم “حراميي”. لم أخسر شيئا بل على العكس أرضيت ضميري. فهم يمثّلون سلطات معيّنة أما أنا فأمثّل كلّ الشعب اللبناني. انا أقسمت اليمين على حماية الدستور والقوانين في حين أن القوانين تُنتهك من قبل السلطات السياسية والتشريعية والقضائية “كلّو فلتان”.
س: وُصف عهدكم ب “عهد الإنهيار” من قبل البعض، فكيف تلخّصون السنوات الست وما الذي حقّقتموه للبنانييّن؟
ج: من يصف العهد ب “عهد الإنهيار” هو الفاسد الأكبر، فمن يخشى من المحاسبة يرمي المسؤولية على العهد للتّعمية على ما ارتكبه. حققت أموراً كثيرة وكان أبرزها إصراري على وضع مرسومي “تقسيم المياه البحرية الى بلوكات” و “نموذج عقد الاستكشاف والانتاج” على جدول أعمال أول جلسة لمجلس الوزراء في بداية العهد، ليقيني بأننا مقبلون على مرحلة صعبة جداً. ألم تكن رؤية واضحة للموضوع؟ خلال ولايتنا حرّرنا لبنان من الإرهابيين مع إطلاق معركة “فجر الجرود” وأقرّينا قانون الانتخاب النسبي وأَعَدنا الانتظام المالي إلى الدولة عبر إقرار قطوعات حساب وموازنات ظلّت غائبة لاثني عشر عاماً.
من حاول عرقلتي إنما عرقل الشعب اللبناني، ومن أراد منعي من الانجاز إنما مَنعَ الفائدة عن الشعب اللبناني.
في قضية تحقيقات المرفأ:
س: في إطار الأمن الإستباقي لماذا لم تستبقوا انفجار المرفأ لناحية التعاطي مع النيترات عندما أُبلغتم بوجوده؟
ج: (هنا يحتدّ الرئيس معتبراً أن من يحمّله المسؤولية لا يفقه في صلاحيات رئيس الجمهورية ). رئيس الجمهورية لا يملك قوةً تنفيذيّة على الأرض وعندما تصلُه أي معلومة أو معطيات يحيلها فورا على السلطة التنفيذية أي الوزير المختصّ وهذا ما قمت به على الفور عندما طرحت موضوع النيترات على المجلس الأعلى للدفاع الذي أحاله بدوره على وزير الأشغال.
س: هل تعاطيتم مع الموضوع على قدر خطورته؟
ج: هذه المواد دخلت إلى لبنان في ال 2013 وانفجرت في ال 2020 أي بعد سبع سنوات على إدخالها وتنزيلها. لم تنفجر خلال السنوات السبع..
س: هل هذا يعني أنكم تشكّون فخامتكم بعمل أمني مفتعل؟
ج: أنا أشك بكلّ شيء وهذا ما يجب أن يكشفه التحقيق. في الوقت عينه كانت المؤسسات المحلية والدولية خلُصت إلى أن الانفجار غير مقصود وأن السبب هو الإهمال وبالتالي يقع على عاتق القضاء أيضاً أن يكشف مكامنَ الإهمال.
آخر الكلام من القلب:
س: ما هي كلمتك للتياريّين؟
ج: أشكر التيار الوطني الحر على قاعدته الصلبة التي تبلورت في الانتخابات النيابية الأخيرة. تم استخدام المال والإعلام بهدف إفشاله وكان البعض يراهن على انتهاء حالة التيار الوطني الحر سياسياً، لكنّه حافظ على حضوره وأكثريته على الرغم من الحرب الشرسة التي تعرّض لها.
س: للمصابين بخيبة أمل؟
ج: أطلب منهم مراجعة حساباتهم لأن الوقت كفيل بكشف حقيقة الأمور.
س: هل ستطلّون غداً على اللبنانيين كما عاهدتموهم بعبارة “يا شعب لبنان العظيم”؟
ج: غداً ستسمعين ما هو أهم من الشعب العظيم.