كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
في ظل التشظّي والإنقسامات في المواقف ما بين الخصوم والحلفاء، يزداد الإرتباك ويغرق انتخاب الرئيس في مخاض عسير يصعب تحديد مساره أو رسم خطوط نهايته. صعّب رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الخيار أمام «حزب الله» ورفع سقف المواجهة معه لكن الأمس كان يوماً آخر. قال باسيل كلمته والتزم الصمت، كما عمم «حزب الله» على نوابه والوزراء عدم التعليق وطلب التهدئة عبر مواقع التواصل الإجتماعي. حريصٌ «حزب الله» على العلاقة مع «التيار الوطني الحر» واستيعاب موجة الغضب والزعل التي اجتاحت رئيسه، ويتفهّم مبرراتها ولديه مصلحة بإبقاء العلاقة معه كما لـ»التيار» مصلحة باستمرار العلاقة مع «حزب الله». يرفض المساجلة معه ويحاذر، وهو يسعى إلى تطويق المشكلة متى وجدت.
يدرك «حزب الله» أنّ أساس مشكلته مع «التيار الوطني الحر» سببها إنتخابات رئاسة الجمهورية. لم يعد باسيل بوارد النقاش بترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية ويعتبره الحليف الأقرب لرئيس مجلس النواب نبيه بري وبانتخابه سيعاد إحياء تركيبة ثلاثية ستقضي على كل عهد ميشال عون وما تبعه. وكيف يمكن لتيار حاصر فرنجية وحصره في بقعته الجغرافية فلم يفز بأكثر من نائب أو نائبين في كتلته أن يقبله رئيساً؟ رغم رفعه سقف المواقف، إلّا أنّ «حزب الله» رفض صبّ الزيت على النار.
إستناداً الى مجريات ما حصل وإلى المشهد النيابي العقيم صار ملف الإنتخابات الرئاسية حكماً في مهب الوضع الاقليمي والدولي، وإلّا فإنّ الفراغ سيكون طويلاً. ويؤكد مصدر سياسي معنيّ أنّ الكلام في الملف الرئاسي له علاقة بموازين القوى في المنطقة، وللأسف فإنّ حظوظ البعض تضعف حالياً ومنهم فرنجية، وقد صعّب باسيل الأمر على «حزب الله» الذي كان يبحث عن عدد نواب يضاف إلى 53 ورقة بيضاء ليحسّن حظوظ حليفه متى آن أوان انتخابه جدياً، فإذا به يغرق في محنتيْ تأمين النصاب وتأمين أصوات الإنتخاب وكلاهما صعب المنال.
يضغط باسيل كي يتجاوز «حزب الله» ترشيح فرنجية للبحث عن مرشح جديد لكن من يعرف «حزب الله» يعرف مقدار إلتزامه بوعده لحلفائه، وهو لا يتوقف عن التذكير أنّه وكما تمسّك بترشيح الرئيس ميشال عون كذلك سيفعل مع ترشيح فرنجية وسيبقى متمسكاً به الى أن يقرر بنفسه الإنسحاب من حلبة الرئاسة، و»الإبتزاز» هنا أو المساجلة لن يحدثا تغييراً في الموقف.
سبق وقالها «حزب الله» إن ثقته عالية في حليفين هما باسيل وفرنجية وطالما أنّ الأول غير مرشح فالثاني سيكون مرشحه حكماً ولا مرشح ثالثاً مضمون بالدرجة ذاتها واستناداً الى التجارب السابقة فلن يكون ممكناً ضمانة باسيل لهذا المرشح أو ذاك لأن خيارات باسيل والعهد لم تكن جميعها على قدر الثقة التي منحوها لأصحابها.
رغم كلّ التعقيدات إلّا أنّ المتحمسين لفرنجية يستمرون بالمراهنة على وصوله إستناداً الى دعم الثنائي، ولهم في انتخاب رئيس المجلس النيابي نبيه بري خير مثال. لكنّ الوقائع لا تتشابه هنا، كان نصاب جلسة إنتخاب بري متوافراً ولم يكن بالإمكان خرق القرار الشيعي مع وجود كتلة نيابية شيعية متراصة بينما يصعب إنتخاب فرنجية بأصوات 65 نائباً حتى لو توفر مثل هذا العدد إستناداً كما يعتقد البعض الى أصوات عدد من النواب السنّة وأخرين من «التيار الوطني الحر»، فكيف يمكن تأمين نصاب الجلسة بغالبية 86 نائباً؟ الحاجة هنا ملحة لكتلة مسيحية تشكل غطاء لفرنجية اللهم إلا إذا حدث معطى إقليمي دولي شكل مفاجأة في اللحظة الأخيرة وقلب موازين القوى، وهذا مستبعد لأن المعطيات الواردة من الخارج ومن قطر تحديداً تفيد أنّ القطريين متحمسون لوصول قائد الجيش العماد جوزف عون للرئاسة. وبعد الخلاف مع «حزب الله» فليس معلوماً ما إذا كان باسيل سيتماهى مع القطريين ويقول لـ»حزب الله» لكم مرشحكم ولي مرشحي.
وربما كان أسهل عليه السير بقائد الجيش على خيار فرنجية. مشكلة إنتخاب الرئيس ليست مسيحية فقط بل تكمن في الثنائي الشيعي الرافض تقديم أي خيار خارج فرنجية ويتمسك به الى أن يقرر الأخير الإنسحاب وهذا مستبعد حتى الساعة. عارفو رئيس «تيار المرده» يدركون أنّ انسحابه لن يكون سهلاً وهو وإن كان في طبعه لا يحبّذ خوض المعارك والمواجهات إلّا أنّه وإن قرر الإنسحاب فلن يكون إنسحابه قريباً وليس قبل انجلاء المشهد الإقليمي والدولي ربطاً بالساحة الداخلية. جرّاء كل ما يجري لم يدل فرنجية بدلوه بعد ملتزماً نصائح الحلفاء، لكنّه بالتأكيد إن قال استفاض لأنّ عدم انتخابه سيشكل كسرة سياسية صعبة، كما هو صعب تسميته لمرشح بديل من قبله كجائزة ترضية.