كتب جورج شبلي في صحيفة نداء الوطن:
للتذكير: إنّ المعيار في السياسة، هو مجموع الشّروط والقواعد الضرورية والواجبة، فكرياً وأخلاقياً واتّزاناً، لكي يحوز مَن يتعاطى الشّأن العام، لقب «سياسيّ». واستناداً إلى هذا المعيار، وإلى ما قاله «هيغل» بأنّه لا يجوز لمَن يتعاطى السياسة أن يجهل بُعدها، ينبغي أن نطرح السؤال التالي: هل تُطابق مواصفات بعض السّاسة عندنا، إنْ لم نقل الغالبيّة منهم، المعايير الإلزاميّة الآنفة الذّكر؟
في هذه المرحلة الدّقيقة التي يمرّ بها الوطن، حيث تتدحرج الأحداث التي تودي بالبلاد إلى دائرة النّار، يتحفنا المفوّهون من حديثي العهد والنّعمة في العمل السياسي، بمحاضرات هجينة من جرار أمخاخهم، ما يستوجب العودة حتماً إلى سلّم المعايير للمقايسة عليها، وبلوغ استنتاجات موثوقة: على رجل السياسة في الأساس، أن يمارس النشاط العام انطلاقاً من أخلاقيّاتٍ قوامها المبادئ والمُثل، في المقابل فإنّ رجال السياسة، عندنا، يدوسون عليها من دون أن يرفّ لهم جفن. على رجل السياسة أن يتمتع برزانة التفكير ودقّة النباهة، ورجال السياسة، عندنا، ينجرفون إلى دائرة الإسفاف الذي يقضي على قاعدة الإتّزان العقليّ اللّائق. على رجل السياسة أن يعبر إلى منطقة اليقظة الذّهنية الكفيلة بتحرير العقل، ورجال السياسة، عندنا، يقبعون في عالم الدّماغ المعطوب المُفضي إلى هلوساتٍ هذيانيّة ليست موجودةً إلاّ في نخاعهم السقيم.
من الواضح، تماماً، انفضاح مناداة الذين أطبقوا على السلطة، ولا يزالون، بالتغيير الهجين، بهدف العبور إلى الأفضل الذي يدّعونه، وما ذلك سوى ورقة تينٍ واهية تحجب إحدى أكثر عوراتهم أو موبقاتهم، وهي القضاء على ما تبقّى من دولة. فهؤلاء الذين أوهمونا، ولا يزالون، بما يختزنون من «رؤىً» متجاوزة، بأنهم منهمكون في اجتراح العجائب لإيجاد حلولٍ للأزمات التي سُدّت معها آفاق الناس، لم يرشح من سلوكهم الأعور سوى اقتناص الجوائز، والمحاصصة في مشاريع ملتوية وسمسراتٍ مشبوهة، لم تعد مموّهة لتخفى على أحد.
إنّ هؤلاء الدونكيشوتيّين الوصوليّين، والذين لم يصلوا بترّهاتهم إلاّ إلى إخفاقاتٍ خطيرة، لم يعملوا، منذ بدأوا، وحتى الساعة، إلاّ لتحقيق هدفَين، هما نهب البلد، وتسليمه إلى وصاية قبيحة. لقد شوّهوا، بأدائهم المقيت، وبحقدهم الأعمى، مفهوم الدولة، ونكّلوا بالقوانين التي تحرص على كيانيّة الأرض ووحدتها، وعلى سيادة الشعب وسلامته. وقد نسفوا بنزواتهم المغرضة عنوان الحقّ والحرية، وهما عمود العدالة ومرتكزها الأمين. وقد أجهضوا بفضائحهم الموصوفة، وسرقاتهم المفضوحة، وانتهاكهم للدستور والأنظمة، انتقال لبنان إلى النّهوض والتعافي، ممّا أعاد إلى الأذهان زمن قطّاع الطّرق وناهبي مقدّرات النّاس، وأودى بالبلد إلى مغامرة غير موصوفة سوف تقضي عليه.
إنّ هؤلاء الواقفين أمام الكاميرات بابتساماتهم الفارغة، وتصريحاتهم الضّجيجيّة العقيمة، والمنتشين السّاعين إلى الفوضى، وقد تقمّصهم غرابٌ فوق جيفة، ليسوا إلاّ مافيات، وعصابات متسلّطة انكشفت حجبهم بالإثراء الفاحش العلنيّ، وبعد ذلك يلقون بالإتّهامات على غيرهم، ويقولون: روحوا شوفوا مين سرق البلد!
أنتم سرقتم البلد، بمسؤوليكم الذين كانت ممارساتهم مشبوهة، وتُنافي كل الأعراف، فلم تعودوا قادرين على تغطيتها أو إنكارها، لأنّها موثّقة، وتفضح نهبكم للمال العام، رزق النّاس الطيّبين.
أنتم سرقتم البلد، بالصفقات التي يندى لها جبين القِيَم، والعائدة سمسراتها إلى من يدّعون بأنهم «حماة» الدولة الأشاوس، وما هم سوى فاسدين يرهقون الدولة والشعب بوجودهم المقيت، ما زجّ البلاد في أتون جهنّم.
أنتم سرقتم البلد، بدعمكم لإستراتيجيّة قائمة على اغتيال مشروع الدولة، والقبول بسَبي الحكم وبنشل السلطة، وبسحق الناس بالظّلم.
أنتم سرقتم البلد،، عندما طعنتم قضية الحريّات، وفي طليعتها حرية الفكر والتعبير عنه. وسحقتم الأقلام الحرّة، وكأنّكم لا تعلمون أنّ الإنسان الحرّ، في منظار الحقّ والعدل، هو إنسان كريم، قادر على العطاء والبناء، وهكذا يكون المواطن.
فيا أيها الموتورون المتناتشون، ما أنتم سوى نكبة للكرامة والسيادة، ولبنان هو شهيد نزواتكم… نصلّي، وبإلحاح، نحن المنهوبين المساكين، لكي يستفيق جمال باشا، أيّ جمال باشا، لنقهقه فوق أشلائنا، فرحين عندما نرى أشلاءكم تتأرجح على حبال المشانق…