
كتب قاسم يوسف في اساس ميديا:
يدور كلام متقاطع في الصالونات السياسية حول إمكان التمديد لمجلس النوّاب سنة إضافية أو سنتين، ويغمز البعض من قناة رغبة داخلية شبه جماعية بهذا الخصوص، بينما يجزم آخرون باستحالة ذلك، ولكلّ منهم أسبابٌ وتعليلٌ وسرديّات متكاملة.
تسرّب أنّ أحد النواب التقى الرئيس جوزف عون خلال الأسبوعين الماضيَين، وطرح عليه فكرة العمل على كتلة نيابية في الانتخابات المقبلة، لكنّ جواب الرئيس كان صادماً، حين قال لضيفه: هذا إن كانت هناك انتخابات في موعدها.
نُقل عن الرئيس نجيب ميقاتي أيضاً أنّه قال في مجلس خاصّ: إنّ قرار سحب سلاح “الحزب” ما كان بإمكان أحد أن يتّخذه أو يطرحه بهذا الشكل سوى نوّاف سلام. وبغضّ النظر عن صحّة هذا النقل من عدمه، فإنّ في المضمون العميق لهذا الكلام ما يستوي مع العقل والمنطق والوقائع والتجارب.
ثمّة من يقول إنّ انتخاب جوزف عون وتسمية نوّاف سلام هما أفضل ما أنتجه الخلل الهائل في التوازنات الداخلية لغير مصلحة “الحزب” وحلفائه لحظة الانكسار الكبير، ثمّ إنّ شكل الحكومة وأركانها يكاد يكون الصورة الأكثف عن الانتقال التاريخي من ضفّة إلى ضفّة. وهذا ما لم يحدث منذ اتّفاق الطائف، باستثناء فترة بسيطة في بدايات حكومة فؤاد السنيورة الأولى عام 2005.
يدور كلام متقاطع في الصالونات السياسية حول إمكان التمديد لمجلس النوّاب سنة إضافية أو سنتين
موافقة مسيحيّة كبرى؟
يستند أصحاب هذا القول إلى هذه المحصّلة السياسية للقول عبرها إنّ الانتخابات النيابية المقبلة، سواء شارك المغتربون في التصويت لـ128 نائباً أم لم يشاركوا، ستفضي حتماً إلى النتيجة ذاتها، مع تغييرات طفيفة في بعض الدوائر، وربّما خروقات متواضعة في البيئات الشيعية، وهذا لن يُغيّر الوضع القائم، بل سيزيده تعقيداً، لا سيما أنّ الحكومة الجديدة بعد الانتخابات لن تكون قطعاً على شاكلة الحكومة الحالية، لا بقماشة وزرائها، وليس بالضرورة برئيسها.
هذا يعني أنّ الأولوية القصوى يجب أن تتمحور حول تغيير جذريّ وعميق، وهذا لا يُمكن أن يتمّ وفق القانون النافذ، ولو تمّ تعديله، لأنّ رفع الصوت التفضيليّ إلى صوتين سيزيد من سطوة “الحزب” وقدرته التجييريّة الضاربة لا العكس. وبالتالي لا حلّ إلّا بتغيير قانون الانتخابات، وهنا تماماً يكمن بيت القصيد.
يؤكّد أصحاب نظريّة التمديد بانتظار تحضير الأرضيّة أنّ أحداً لا يستطيع أن يذهب بعيداً في تمرير قانون جديد للانتخابات باستثناء نوّاف سلام، وهو الذي كان فاعلاً ومقرِّراً في إنتاج قانون فؤاد بطرس. إلى ذلك، الحكومة الحاليّة، ومعها رئيس الجمهورية، هم الأقدر على الذهاب بعيداً في سيناريو من هذا النوع، لا سيما بعد نيل موافقة مسيحيّة كبرى، تبدأ من بكركي و”القوّات اللبنانية”، ولا تنتهي بجبران باسيل، المتوثّب لالتقاط لحظة الخروج من تحالفه مع “الحزب” ومن العقوبات الأميركية على حدّ سواء.
يريد جبران باسيل تمديداً لسنتين لا سنة واحدة، وذلك حتّى تتسنّى له استعادة أنفاسه، وإعادة نسج تحالفات سياسية وانتخابية جديدة بعد العاصفة الكبرى التي ضربت لبنان والمنطقة، حيث إنّ تحالفه مع “الحزب” ولّى إلى غير رجعة. ولا بدّ من إعادة إنتاج صيغة جديدة وخطاب سياسي مختلف لمواكبة المرحلة المقبلة، وهذان يحتاجان إلى وقت كبير، بينما تحدثت بعض المعلومات عن عدم ممانعة القوات التأجيل سنة واحدة لأسباب عديدة، منها تغيير قانون الانتخاب أو تعديله، والتحضير للمعركة الرئاسية المقبلة، بحيث يكون المجلس الجديد مسؤولاً عن انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، لكن الدكتور سمير جعجع حسم النقاش تمامًا في هذه المسألة، حيث أكد في خطاب قداس الشهداء أن لا تمديد ولا تأجيل، والانتخابات حتمًا في موعدها.
ضرب من الخيال
في المقابل، يسخر البعض الآخر من هذا السيناريو، معتبرين أنّ من يسوّقون له لا يعرفون لبنان وحساسيّاته وتعقيداته، وأنّ أمراً مماثلاً لا يُمكن أن يمرّ بأيّ شكل من الأشكال. وإذا مرّ في الحكومة بموافقة رئيس الجمهورية فسينام طويلاً في أدراج مجلس النوّاب، وواهمٌ ومشتبهٌ من يعتقد خلاف ذلك.
يؤكّد هؤلاء أنّ أقصى ما يُمكن أن تقوم به حكومة نوّاف سلام هو إصدار قرار بسحب السلاح غير قابل للتنفيذ من دون حوار داخلي وإقليمي معقّد للغاية، حتّى مسألة زجّ الجيش في اشتباك مباشر لن يكون قراراً سهلاً أو متوافراً لدى القيادة نفسها، لاعتبارات قد تبدأ ولا تنتهي. وبالتالي الرهان على نوّاف سلام وحكومته الحالية لإحداث شرخ كبير في التوازن لغير مصلحة “الحزب”، هو في واقع الحال صعب.
الثابث بحسب هؤلاء أنّ ما قبل هزيمة “الحزب” لن تكون كما بعدها، وأنّ أثماناً كبيرة سيدفعها “الحزب” على كلّ المستويات، لا سيما السياسية والانتخابية. لكنّ الحديث عن تغيير قانون الانتخاب هو في حقيقة الأمر قلب للطاولة رأساً على عقب، وهذا غير وارد على الإطلاق، حتّى لدى أكثر المؤثّرين راديكاليّةً داخل الإدارة الأميركية وفي محيط دونالد ترامب.
لكنّهم يعتبرون أنّ محاولة التمديد بحدّ ذاتها قد تنجح، من دون أن تقترن طبعاً بتغيير قانون الانتخاب، حيث يتحدّثون بكلّ وضوح عن رغبة الرئيس نبيه برّي بالتمديد لمدّة سنتين، قد تلحقها سنتان إضافيّتان، وهو ما يعني التمديد لولاية كاملة، وذلك بهدف تهدئة الوضع القائم، وعدم الذهاب نحو استحقاقات قد تُفجّر الوضع برمّته.
عقيدة الضّاحية
لا تزال الصورة حتّى الآن ضبابيّة للغاية، منقسمة بين من يعتقد بضرورة تغيير قانون الانتخاب كمقدّمة حقيقية لكسر “الحزب” وكسر نفوذه والانطلاق نحو وضع جديد، وبين من يؤكّد استحالة الذهاب نحو خيارات راديكاليّة من هذا النوع. وبين هذا وذاك يحضر العامل الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص بنيامين نتنياهو وحكومة اليمين المتطرّف، حيث من الممكن أن يدخل هذا العامل إلى صلب المعادلة الداخلية لحظة الاصطدام بين الدولة و”الحزب”. وبالتالي قد يُعطى نتنياهو الضوء الأخضر لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق، قد تشمل كلّ البيئة الحاضنة المحسوبة على “الحزب”، وفق عقيدة الضاحية التي وضعها جنرالات الجيش على طاولة التنفيذ، ثمّ عاد وأوقفها ترامب.
لكن بعيداً عن الحراك الداخلي وأسبابه الموجبة وتداعياته، تؤكّد مصادر سياسية رفيعة أنّ ثمّة إصراراً أميركيّاً – سعوديّاً على إجراء الانتخابات في موعدها الدستوريّ، وأن لا صحّة على الإطلاق لكلّ الكلام عن موافقتهما أو رغبتهما بالتمديد أو التأجيل، وأنّ كلّ ما يُقال في هذا السياق يظلّ أمنيات أو تحليلات تفتقد للصحّة والدقّة.