
كتب منير الربيع في المدن:
فرصة مثالية
وكما في ذلك اليوم، كذلك أمس. أرتال السيارات تعبر الطرقات. مئات الجنوبيين يعودون سيراً. المواجهات مباشرة مع الدبابات وجنود الاحتلال. هي الصور التي أراد حزب الله إحياءها يوم الأحد، كتجديد للعهد مع ناسه، وكرسائل واضحة لكثيرين.
اختار الحزب توقيتاً يرى فيه فرصة مثالية لتأكيد حضوره القوي، بعد حرب ضارية تحمل فيها الكثير من الخسائر، لكنه خرج منها أكثر إصراراً على الإمساك بالأرض والتواصل مع الناس. وما زاد من قوة هذا المشهد أن التحضيرات له بدأت قبل أيام، ليكون هذا اليوم صورة مكرّسة لوحدة الجنوب وقوته، والقول للداخل إنه لا يزال قوياً ولا يمكن تجاوزه في المعادلات. مشهد الجنوب الأحد سيكون له ما يليه في السياسة الداخلية.
موازين القوى
السردية الجديدة مشابهة لسردية العام 2000 وما قبله، وتختلف كلياً عن سردية حرب تموز عام 2006. فما قبل التحرير كان حزب الله ينطلق في عملياته العسكرية من منطلق دفاعي، ويرتكز على مظلومية خسارة الأرض والسعي للعودة إليها. في حرب تموز 2006 لم تكن حسابات الحزب لبنانية فقط، بل شكلت الحرب محطة لانتقاله إلى مسار سياسي جديد في الداخل، غير مبني على المظلومية بل مبني على تفوق القوة داخلياً، والاستعداد للانخراط ضمن مشروع أكبر على مستوى الإقليمي، حيث أصبح لاحقاً قوة ذات تأثير عابر للحدود. في حينها، لم يعد الحزب يعترف بالقرارات الدولية، قفز فوقها بقوة الدفع المستمدة من موازين قوى داخلية وإقليمية. اليوم تختلف القواعد كلياً، موازين القوى الإقليمية والدولية مختلة. الحزب وحلفاؤه تعرّضوا لضربات قاسية، لذا لا بد من العودة إلى قواعد قديمة، ومنها يتم إظهار القوة.
حشد الناس
أظهر حزب الله بشكل لا لبس فيه أنه لا يزال هو الممسك بالوضع على الأرض، وانتهز اللحظة المناسبة لإثبات ذلك. ميزة الرسالة التي أراد الحزب توجيهها لا تتعلق بالسلاح، بل بالناس. أي أن الصواريخ والأسلحة يمكنها أن تتفجر وأن تنتهي، لكن الناس لا تزول ولا تنتهي. وهنا أراد حزب الله أن يظهر مكمن قوته، بتوجيه ما يفترض توجيهه إلى جهات متعددة، خارج لبنان وداخله. فللخارج، أراد الحزب أن يقول إنه بقي رغم كلّ ما تعرض له، وإن فصله عن الناس لا يمكن أن يتحقق، وكذلك عن العودة إلى القرى الجنوب. أما للداخل، فالرسائل متعددة، أولها يشير إلى بقائه على قدرته التحشيدية، والتنظيمية. كل ذلك لا ينفصل عن السياسة، خصوصاً في ضوء تنامي وجهة نظر لدى خصوم الحزب بأنه أصبح في حالة ضعف، وأنه تراجع كثيراً ولا بد له أن يرضخ لمعادلات جديدة في المعنى السياسي. هنا أراد الحزب رسم ملامح جديدة مبنية على قدرته التحشيدية وتنظيمه، وأنه لا يمكن التعاطي معه كطرف مهزوم على المستوى الداخلي.
بحماسة واندفاع اتجه الناس إلى قراهم ومناطقهم. كانت لحظة لإثبات الحق، وعدم التخلي عنه. ولحظة أراد منها حزب الله القول إنه قادر على التحرك والتحشيد وحتى إعادة التنظيم، خصوصاً في ظل التباسات داخلية وخارجية كثيرة حول قدرته، وقراره بالالتزام بتطبيق القرار أم الالتفاف عليه، وفي ظل ادعاءات إسرائيلية بعدم الثقة بالجانب اللبناني لمنع الحزب من إعادة انتاج نفسه عسكرياً.
شروط إعادة الإعمار
تمثّل العودة يوم الأحد محطة من محطات كثيرة، اتجه فيها السكان إلى الجنوب وتجاوزوا الحواجز الإسرائيلية، فيما الحزب تعمّد القول إن الأهالي هم الذين دخلوا إلى القرى وحرروها وفتحوا الطريق أمام الجيش، على حدّ تعبير النائب حسن فضل الله، بما يحمله التصريح من رسائل واضحة للجيش وللسلطة السياسية، ولإعادة التذكير بالمعادلة الشهيرة التي يتمسك بها حزب الله. كل هذه الرسائل وصلت. كما وصل أهل الجنوب إلى القرى التي وجدوها مدمّرة متناثرة، ولم يعد فيها من منازل للبقاء. فأصبحوا على موعد مع وجع جديد وألم بعيد المدى، بانتظار إعادة مقومات الحياة وإعادة الإعمار. هذا الإعمار لن يحصل كما جرى في العام 2006، بل شروطه مختلفة وظروفه معقدة.