كتب مصطفى شهاب :
تمخض الجمل فولد فأرا. هذا باختصار ما يمكن وصف ما أُعلِن من نتائجٍ للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة دولة الكيان نتنياهو.
ظَهر ذلك جليا خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده الرجلان بعد أن تأخر كثيرا عن موعده، وهو ما يشي بوجود تباين بين الطرفين تمت التغطية عليه بما كاله كل منهما من مديح للآخر مدغدغا مشاعره.
فترامب حرص بداية على ما قدمه من خدمات لدولة الكيان وما حققه لها من إنجازات خلال فترة حكمه المشؤومة الأولى، والتي أفضت عبر دعوته الإبراهيمية إلى توقيع 4 (دول) عربية لاتفاقات تطبيع معها، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس متباهيا ببنائها بحجارة مقدسية. في حين لاقى نتنياهو غرور ترامب وتبجحاته بما يناسب من مديحٍ وثناء؛ واصفاً إياه بأعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض، ومعتبرا فكرته التي تجاوزت الحلم الإسرائيلي بحل ما تصفه بعقدة غزة عبر دعوته لتهجير سكان القطاع، بالتفكير خارج الصندوق. ولا أراه يقصد صندوقا آخر غير صندوق رأسه الأجوف الذي لم يفهم بعد أبعاد طوفان الأقصى، وكيف لم توحي كلمة الأقصى للطرفين بأية دلالات؟؟
فالمقاومة الفلسطينية لم تقم بالطوفان المجيد بتوجيه دعوة لدولة الكيان لتدمير قطاع غزة على رؤوس ساكنيه -وهم أهلها وحاضنة المقاومة الطبيعية فيها- لإعادة إعماره من جديد. فغزة بكل مدنها ومخيماتها برغم ما كانت تفرضه عليها دولة الكيان من حصار، كانت تعد من أجمل وأنظف المدن في المنطقة العربية، وأهلها قادرون دوما على إعادتها كأجمل ما تكون.
تحدث ترامب في مؤتمره الصحفي كمطور عقاري يسعى إلى الاستحواذ على قطاع غزة بعد تهجير أهله وتكليف شركات أميركية -وبالتأكيد إحداها لنجله- بإعادة إعمار القطاع بعد تنظيفه من مخلفات الحرب؛ واعدا الأميركيين (وليس الفلسطينيين) بتوفير آلاف الوظائف لهم، وتحويل غزة إلى ريفيرا جديدة تستقبل من يرغبون (طبعا من الأثرياء) من أبناء المنطقة الذين سيدفعون للمطور الأميركي الثمن المطلوب؛ في الوقت الذي يطلب فيه من مصر والأردن ودولٍ أخرى استضافة الفلسطينيين من أبناء القطاع مقابل أموال ستحصل عليها من الدول العربية التي سيفرض عليها (المتنمر المغرور) ترامب دفع هذه الأموال.
الرئيس الأميركي في حديثه عن مسألة تهجير الفلسطينيين كان متناقضاً؛ فحينا يرى إمكانية عودتهم وحينا لا يرى ذلك، وقد يكون يقصد توفير العودة لمن ستكون لديه الإمكانية من أبناء القطاع لشراء شقةٍ بسعر فلكي في الريفيرا الأميركية التي سيقيمها على أرضهم التي سيسرقها منهم.
الضفة الغربية أيضا لم تكن بعيدة عن اهتمامات التاجر ترامب؛ فهو وعد الصحفي اليهو..دي الذي سأله: ماذا بشأن (يهودا والسامرة)؟ -وهذا قد يكون أخطر، أو لنقل أهم ما ورد في المؤتمر الصحفي- بأنه سيصدر إعلاناً بشأنها خلال الأسابيع الأربعة القادمة. فدعونا ننتظر كمتابعين من خارج الصندوق.
لقد كان من اللافت أن ترامب -الذي حرص نتن ياهو على عرض الفيديو الإسرائيلي المفبرك عن الطوفان- يجهل تماما، -وهو رئيس أهم دولة في العالم- أو هكذا بدا، كل ما يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني، وتتوقف حدود تفكيره عند ما حدث في طوفان الأقصى المجيد وفقا للرواية الإسرائيلية المكذوبة طبعا. فحتى والعالم رأى الحال الأكثر من جيدة التي ظهر عليها الأسرى الإسرائيليون الذين أطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة سراحهم قال: إنهم كانوا مدمَّرين، وأغمض عينيه عن الحال المزرية التي خرج بها الأسرى الفلسطينيون من السجون الإسرائيلية، والتي تكشف عن البون بين من خلقه الإسلام وأغيارهم.
طبعا لم ينس ترامب معاقبة كل من يدعم الفلسطينيين، حتى ولو كانت منظمة دولية كالأنوروا التي أوقف تقديم المساعدات لها.
بالمختصر بدا ترامب خلال مؤتمره الصحفي كتاجر يسعى إلى إبرام صفقة، وتحدث حديث المتنمر، ولضمان نجاحه استعان بما لدى دولته من بقايا هيبة في العالم، في مواجهة رفض فلسطيني وعربي وإسلامي وأوروبي وعالمي لها. لكن هذا الرفض لا بد أن يكون صارما وحازما، ومتناسقا، وجماعيا.
ونحن كعرب وكفلسطينيين لن نقول لترامب وتابعه ياهو: للبيت رب يحميه، -وهو لا شك فاعل-، لكننا أيضا فاعلون. فانهيار فلسطين انهيارٌ لكل قيم العروبة والإسلام.