كتبت جوانا فرحات في المركزية:
الكلام ما عاد سرا وداخل أربعة جدران، والقصة باتت شبه معلنة وفق الخطة المعدة. هنا نتكلم عن مسألة التطبيع مع إسرائيل وإن كان المؤكد حتى اللحظة الأخيرة أن لبنان سيكون آخر بلد عربي يوقع على معاهدة سلام مع إسرائيل والفاصل الزمني لم يعد ببعيد أقله خلال مدة السنوات الست التي يتولى فيها العهد الجديد برئاسة العماد جوزف عون الحكم.
في 15 أيلول 2020 تم توقيع اتفاقيات أبراهام في البيت الأبيض، بين كل من الإمارات والبحرين وإسرائيل، بوساطة أميركية، وتقضي هذه الاتفاقيات بـ”معاهدة للسلام والتطبيع الكامل للعلاقات الدبلوماسية بين الأطراف الموقعة مع إسرائيل، واتخاذ تدابير لمنع استخدام أراضي أي منهما لاستهداف الطرف الآخر”.
تعتبر الإمارات الدولة الخليجية الأولى التي أقامت علاقات تطبيع مع إسرائيل، والثالثة عربيا بعد مصر والأردن. وقبل الإعلان عن تطبيعها مع إسرائيل، عرضت عليها الولايات المتحدة بيع 50 طائرة مقاتلة من طراز “” إف 35″. وفي 23 تشرين الثاني من العام نفسه أعلن البيت الأبيض أن إسرائيل والسودان اتفقتا على تطبيع العلاقات بينهما وتم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقبول الخرطوم دفع 335 مليون دولار تعويضا لمن قال ترامب إنهم “ضحايا الإرهاب”.
لاحقا شمل التوقيع المغرب في كانون الأول 2020 التي نالت وعداً من الولايات المتحدة ببيعها أسلحة وتنفيذ استثمارات ضخمة مع اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
إلى حينه، كان لبنان لا يزال يصر على عدم التوقيع إلى أن جاءت المتغيرات الإقليمية على خلفية حرب غزة ولبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا ودخول ترامب للمرة الثانية البيت الأبيض. وجاء الكلام الصادرعن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف خلال فعالية أقيمت في واشنطن لصالح اللجنة اليهودية الأمريكية ليؤكد المؤكد: لبنان على أجندة برنامج التطبيع مع إسرائيل وقال” بالمناسبة، يمكن للبنان أن يحشد قواه وينضم إلى اتفاقات إبراهيم للسلام، كما هو الحال مع سوريا”.
كلام لم يفاجئ المتابعين لمسار البرنامج الذي يعمل عليه ترامب منذ دخوله البيت الأبيض للمرة الثانية ولا حتى المراقبين الذين واكبوا مسيرته خلال السنوات الأربع من عهده الأول.
مصادر مطلعة تؤكد لـ”المركزية” أن لبنان يسير على طريق التوقيع على اتفاقيات إبراهام لكن ليس قبل أن توقع المملكة العربية السعودية لأن ترامب يستعجل استكمال إنجازاته التي بدأها في عهده الأول ويريد إنهاءها بعد خروج روسيا وأوكرانيا من المخاض الذي يحصل برعاية أميركية، لتصبح روسيا على لائحة حلفاء الولايات المتحدة وتتزعّم الأخيرة العالم.
مسار ترامب على خارطة شرق أوسط الجديد لم يتوقف وسيكمله من حيث توقفت عمليات التوقيع غلى اتفاقيات إبراهام. لكن الدخول إلى رمال لبنان المتحركة دونه صعوبات وتحديات تقول المصادر. فمن جهة هناك حزب الله الذي سيكون أول المعارضين وسيعمل بكل الوسائل لخربطة الأوضاع وتأخير عملية التوقيع بالتعاون مع محركه إيران لتمرير مرحلة الأربع سنوات من عهد ترامب وبعدها لكل حادث حديث. لكن موقع حزب الله اليوم مختلف عما كان عليه قبل دخوله الحرب مع إسرائيل . وبإعطائه الثقة لحكومة نواف سلام وافق ضمنا على البيان الوزاري الذي خلا للمرة الأولى من ثلاثية”جيش شعب مقاومة” الخشبية، ووافق على ما ورد في مضمونه لجهة حصرية السلاح بيد الدولة مما يؤكد التضييق على كل مجالات المراوغة لديه .
وعن مسعاه لجهة خلق ظروف غير مؤاتية للتوقيع على اتفاقيات ابراهام تؤكد المصادر أن ترامب جدي أكثر من أي مرة في تنظيف المنطقة من أذرع إيران وهو يعدّ لوضع اتفاقية أسلحة نووية جديدة مع إيران بعدما انتهت مدة الأولى في 25 شباط 2025 . واللافت أنه في الإتفاقية الجديدة لم يرد ذكر مفاوضات فإما أن تنفذ إيران ما هو وارد في مضمونها أي التخلي عن كل أذرعها وعن برنامجها النووي والصواريخ الباليستية أو تنال عقابها العسير على قاعدة “take it, or leave it”.وبالتالي فإن أذرع إيران إلى زوال بما فيها سلاح حزب الله. وما الضغط السياسي والأمني الذي يمارسه ترامب إلا لتنظيف المنطقة من أذرع إيران، وبالتالي سيضطر لبنان للسير على السكة الصحيحة خصوصا بعدما تصبح كل الدول العربية والخليج وتحديدا السعودية على سكة التطبيع مع إسرائيل.
وتلفت المصادر إلى أن توقيع السعودية على اتفاقية ابراهام يضع حلفاءها أمام خيار لا ثاني له وهو التطبيع. والحال أن كل من لبنان وسوريا سيوقعان، خشية أن لا تدخل إليهما المساعدات المقررة لإعادة إعمار بلديهما وبذلك يكون ترامب قد حقق أهدافه بأن يشمل اتفاق السلام مع إسرائيل كل الدول العربية . وفي ما خص غزة تذكر المصادر بما سبق وذكرت بأن هذا القطاع سيتحول إلى سنغافورة الشرق وعاصمة التجارة العربية الإسرائيلية.
السؤال الذي يطرح هل يحصل التطبيع في عهد الرئيس جوزاف عون أم يكون التمهيد له حصرا في عهده؟ وفق خطة ترامب والمسار الذي يتم العمل عليه المؤكد أن توقيع لبنان على اتفاقيات ابراهام سيكون على عهد الرئيس جوزاف عون لأن ترامب يريد الإنتهاء من ذلك في أول سنتين من عهده. لكن تخشى المصادر من أن يلعب حزب الله بالنار من جديد بهدف خربطة الخطة أو أن يقف في وجه العواصف. لكن الواضح أنه لن يتمكن من ذلك لأنه “سيحترق عن جد” هذه المرة وسيجد نفسه أمام مشهدية توقيع لبنان على الإتفاق على غرار أشقائه العرب لأنه ببساطة لا يستطيع أن يخرج عن الإجماع العربي .
إلى أن تدق ساعة السير بمحاذاة العرب في التوقيع على اتفاقيات ابراهام يبقى على الدولة أن تستعد للوقوف على السكة بضمانات سياسية. وتنبه المصادر من عدم تفويت أي فرصة في هذا المجال للكسب في السياسة. وفي هذا السياق تلفت إلى ضرورة أن يحمل الرئيس عون معه إلى قمة الدول العربية ورقة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليصار إلى توزيعهم على باقي الدول على غرار فلسطينيي قطاع غزة وإقفال ملف المخيمات الفلسطينية في لبنان.
وتختم المصادر بالتأكيد أن لبنان سيكون آخر من يوقع اتفاق سلام مع إسرائيل.لكنه سيوقع بعدها سيعود إلى مساره الطبيعي في وجه ما كان يعرف بحلف الممانعة.