
كتبت يولا الهاشم في المركزية:
في السابع والعشرين من شباط، وفي رسالة نقلها عنه وفد حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب الذي زاره في سجنه، وجّه زعيم المنظمة الانفصالية المعتقل منذ 1999 نداءً تاريخيًا لحلّ الحزب. وعنوَن أوجلان رسالته بـ “دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي”، ودعا صراحة حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح، وحل نفسه، وانتهاج العمل السياسي “متحمّلًا المسؤولية التاريخية عن ذلك”، حيث دعا قيادات الحزب لدعوة مؤتمره العام وإعلان حلّ الحزب و”إلقاء كل المجموعات السلاح”، للتكامل مع الدولة والمجتمع. فما أهمية نداء اوجلان للسلام؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” ان “نداء السلام الذي وجّهه اوجلان الزعيم الروحي الكردي لحزب العمال الكردستاني، المسجون في جزيرة إمرالي جنوبي بحر مرمرة، جاء بعد ثلاث زيارات قام بها وفد كبير من حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعتبر حزبا ديمقراطيا للسلام في البرلمان الكردي وهو كحركة سلام فعلية ويمثل عشرين في المئة من النواب المنضوين داخل هذا الحزب في البرلمان المعارض التركي. هذه الزيارات الثلاثة التي قام بها الوفد على مراحل كانت تهدف الى لقاء اوجلان والتوصل في النهاية بعد المناقشات والترتيبات، الى ان يطلق الزعيم الروحي للحركة الكردية الجديدة المعاصرة المتمردة النداء التاريخي الذي سمعناه أمس. قد يكون اوجلان قرأ المتغيّرات الجيوسياسية بطريقة مميزة وقام بتقديم نداء عاجل لحزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح المتواجد بين هذه العناصر والفصائل المنتشرة في مناطق متعددة من تركيا وسوريا وجبال قنديل، والذهاب للتسوية التاريخية مع الدولة التركية، تحت عنوان التكامل مع الدولة والمجتمع”.
ويعتبر “هذا النداء مهمًا وتاريخيًا من قبل هذا الزعيم الروحي الذي وضع في السجن بعد اعتقاله عام 1999 في نيروبي في كينيا، ونُقِل بعدها الى تركيا حيث سجنته السلطات التركية وأبقته قيد الاعتقال دون اي محاكمات او إعدام، باعتبار أنها تستفيد لاحقًا من وجوده في السجن. وبعد 26 عامًا، أطلق هذا السجين من معتقله نداء سلام لإلقاء السلاح، بعد ان يُعتبَر هذا الحزب يساريًا وعلى علاقة مع الجماعات الكردية المنتشرة في سوريا ولبنان وأذربيجان وتركيا والعراق وايران، وبأن السلاح لم يعد وسيلة جادة لتحقيق إقامة دول في هذه المناطق التركية وآن الأوان للتفكير في عملية اندماج الأكراد الجدّي في الدول التي يتواجدون فيها على قاعدة احترام المواطنة والحفاظ على قانونية وجودهم كونهم قومية تابعة”.
ويشير العزي إلى أن “على ما يبدو بات هذا الحزب يشكّل عبئًا فعليًا على القضية القومية الكردية لأن تطلعاته أممية ولا ينظر الى القومية التي هي فوق الاعتبارات المذهبية لأن الكرد متنوعون بين سنّة وعلويين ومسيحيين وبعض الشيعة واليزيدية. وبالتالي فإن التطلعات الأممية ستضع الاكراد في أزمة فعلية ما بين قوميتهم وما بين السيطرة من خلال هذا الحزب، الذي شاهدناه يسيطر على سوريا ويضع الاكراد في مواجهة فعلية مع الإدارة الجديدة ووضعهم أمام خيارين: الانخراط في الدولة السورية او المواجهة نتيجة حماية مجموعات جبال قنديل. وينطبق هذا الموقف على تركيا ايضًا، حيث بات هذا الحزب يُعتبر ارهابيا وتتصرّف معه على هذا الاساس، كما انه على قوائم الإرهاب في دول عديدة”.
ويؤكد العزي ان “رسالة اوجلان الى المجتمع العالمي والمكونات الكردية رسالة فعلية بأن هؤلاء الاكراد باتوا يمثلون عبئا من خلال حملهم للسلاح وتعطشهم للقتال وبالتالي أصبحت بندقيتهم مأجورة لأنهم بالاساس كانوا حزبا يساريا في تركيا هدفهم الاساس الانخراط في قلب الدولة ليؤمنوا حقوق الأكراد”.
ويضيف: “عندما أتوا إلى سهل البقاع عام 1982 وحماهم النظام السوري وأمن لهم معسكرات وأماكن، حصلت عام 1997 خلافات واضحة مع تركيا التي هددت باجتياح سوريا. عندها تدخل الروس وسحبوا اوجلان الى أوزبكستان حيث لم يستطع المكوث مطولا لأن وجوده لم يكن شرعيًا فهرب الى نيروبي في كينيا وهناك تم اعتقاله واقتيد مكبّلا الى تركيا تحت شعار ان هذا الحزب بات يموّل الارهاب ويقوّض حركة الدولة. هذا الحزب الذي فتح علاقات مباشرة مع مؤسسيه الاوائل الروس، وبالتالي تستفيد روسيا اليوم من وجود حزب العمال الكردستاني الذي يقدم لها خدمات خاصة، كما ان هذا الحزب في المقابل استفاد ايضًا من روسيا في أوقات كثيرة أكان في سوريا او العراق او تركيا، حتى أنها فتحت له في روسيا ممثليات تكون لاحقًا بمثابة سفارات كردية في حال حصلوا على نوع من الاستقلالية، وتكون روسيا اول الداعمين.
وكان هذا الحزب أيضًا بتركيبته عاملًا ولاعبًا اساسيًا بيد الحرس الثوري والمخابرات الايرانية، التي سهّلت له التواجد في جبال قنديل وسنجار ومدّته بالسلاح والعتاد وكانت على علاقة جيدة به ولا تزال خاصة في مناطق الجزيرة السورية. اليوم وجّهت له تركيا الإنذار الأخير بأن عليه ان يسلم سلاحه الى الدولة وإلا سيقضى عليهم.
كما ان الإدارة السورية ترى بأن قسد (قوات سوريا الديمقراطية) تلعب لعبة الاسد (النظام السابق) الاخيرة وعليها ان تكون جزءا من الجيش الوطني السوري وان لا وجود لدويلات داخل سوريا وإلا سيكون التعامل معها على اساس حركة انفصالية تهدد السلم الاهلي. لكن الجديد في هذه العملية الرؤية المختلفة لحزب الشعوب الديمقراطي التركي الذي رأى ان الامور تتعقد وان مصير أتراك سوريا معرض للخطر وبالتالي ذهب الى اوجلان وربما ناقش معه مطولا التغيرات الجيوسياسية التي بات على الأكراد ان يقبلوا بها، وبأن عصر الدويلات انتهى وبدأ عصر الاستقرار السياسي وان التقسيم لم يعد له مكان والانخراط الفعلي في عصب أي دولة من هذه الدول التي يتواجد فيها الأكراد يمكن أن يؤمن لهم أماكن تدعم الوجودية الكردية واللغة الكردية وإشراكهم في المناصب العليا.
وهنا لا بدّ من التنويه بأن العرب لم يكن لديهم إشكالية مع الوجود التركي، وها نحن نرى في الدول الحديثة التي باتت تتطور بأن وزير المخابرات السابق التركي، الذي يشغل اليوم منصب وزير الخارجية هاكان فيدان كردي وهو لاعب اساسي مميز في حركة الرئيس رجب طيب اردوغان للسياسة الخارجية. كما ان وزير خارجية العراق فؤاد حسين كردي ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد كردي. وكذلك في الإدارة الجديدة في سوريا، فإن من يقابل كل الرؤساء ويعيد الاعتبار الى سوريا ويقوم بجولات مكوكية هو وزير الخارجية المؤقت أسعد الشيباني الذي يتحدث الانكليزية بطلاقة وهو مهندس من القامشلي ودرس في الخارج الكردي.
ويؤكد العزي ان “هذه الفرصة الأخيرة للاكراد كي يشكلوا جزءًا من الدول كما باقي الاقليات التي تحافظ على هويتها القومية والوطنية من خلال الانتماء، لأن التمترس حول بناء الدويلات ستكون نهايته صعبة اذ أن التوجه الجيوسياسي الاميركي الجديد الذي يعيد الاعتبار الى المنطقة بأنه يرى الاستقرار والسلام وبالتالي كل هذه العصابات والاحزاب المتهمة بالارهاب عليها ان تنهي حياتها وتبدأ من جديد. وها نحن نرى كيف ان أحزاب الممانعة الايرانية تتساقط من غزة الى لبنان الى سوريا الى العراق الى اليمن لأن عصر الدولة بدأ يظهر وعصر الدويلات ينتهي، وحان وقت الاستقرار الاقتصادي والهدوء الامني والتجارة العالمية”.