سلايدات

معركة اتحاد البلديات فُتحت بين الأحزاب والعائلات… مؤشرٌ للانتخابات النيابية وتحولات في المجتمع البلدي

 كتبت جوانا فرحات في المركزية:

مع انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان بدا وكأن الحمل أزيل عن عاتق الناخب ليتحول إلى عمل دؤوب لدى رؤساء البلديات لانتخاب اتحاد البلديات والذي يعتبر سلطة مهمة في تنظيم العمل بين السلطات المحلّية. لكن ما يبشر خيرا أن هناك تحولاً مفصلياً في ذهنية عدد من الناخبين قد تتخطى نسبتهم الـ60 في المئة، وقد تجلّى ذلك في انتخابات الجولة الأولى في جبل لبنان أمس الأحد بعد توقف مستمر منذ 9 أعوام ،وهذا ما سيؤدي حكما إلى انتخاب صحي لاتحاد البلديات يوقف محدلة الفساد وحرمان المناطق التي تدخل في إطار عمل الإتحاد البلدي من جميع الخدمات في البنى التحتيّة والسياحة والانماء.

وعلى رغم الإهتمام الشعبي الواسع الذي تحظى به انتخابات المجالس البلدية، إلا أن انتخابات رئاسة اتحادات البلديات غالبًا ما تجري بعيدًا من الأضواء، وتتجاوز أهميتها أحيانًا حدود البلدية الواحدة. فما الذي يجعل انتخاب رئيس الاتحاد البلدي أكثر أهمية، أو على الأقل، أكثر تأثيرًا من انتخاب رئيس بلدية واحد؟

مصادر ملمة في العمل البلدي توضح لـ”المركزية” ان الإهتمام بنطاق عمل اتحاد البلديات يعود إلى الصلاحيات التنفيذية والإدارية التي يتمتع بها رئيس الاتحاد البلدي وتشمل عدة بلديات ضمن نطاق جغرافي مشترك، ما يمنحه القدرة على تنفيذ مشاريع إنمائية كبرى قد تعجز بلدية منفردة عن تنفيذها. وتشمل هذه المشاريع شبكات الصرف الصحي، معامل معالجة النفايات، تأهيل الطرقات، والمخططات التوجيهية. وبالتالي، فإن رئيس الاتحاد يتصرف أحيانًا كمحافظ مصغّر، ويملك إمكانيات التنسيق والتمويل على مستوى يتعدّى نطاق البلدية الواحدة”.

أما الميزة الأكثر فعالية فتتمثل بالقدرة التي يتمتع بها الإتحاد البلدي لجذب التمويل من الوزارات والجهات المانحة بطريقة أكثر فعالية، نظرًا لحجم المشاريع والمستفيدين. كما تُعطى الأولوية للاتحادات في بعض البرامج التنموية التي تنفذها الدولة أو المنظمات الدولية. وهذا الواقع يجعل من موقع رئيس الإتحاد أكثر تأثيرا من رئيس بلدية، سواء في التواصل مع الإدارات الرسمية أو في جذب الموارد”.

وفقًا لقانون البلديات اللبناني، فإن اتحاد البلديات هو هيئة إدارية تُنشأ بقرار من وزير الداخلية والبلديات، وتضم عددا من البلديات المتجاورة، بهدف التعاون في تنفيذ مشاريع تنموية وخدماتية تتعدى قدرة البلديات منفردة. وعلى عكس رؤساء البلديات الذين يُنتخبون مباشرة من المواطنين، يُنتخب رئيس اتحاد البلديات من خلال اقتراع داخلي يجري بين رؤساء البلديات الأعضاء في الاتحاد، ولا يشارك فيه المواطنون. وبعد تشكيل الاتحاد، يُدعى رؤساء البلديات إلى اجتماع يُشرف عليه المحافظ أو القائمقام المعني، حيث يتم فتح باب الترشّح لرئاسة الاتحاد ونائبه، وتُجرى الإنتخابات خلال الجلسة عبر اقتراع سري ووفق مبدأ الأكثرية النسبية، أي أن المرشح الذي ينال أكبر عدد من الأصوات، يُعتبر فائزا. أما مدة ولاية رئيس اتحاد البلديات فمحددة بـ6 سنوات، وهي قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، ما لم يطرأ تعديل قانوني على هذه المدة. ويتولى الرئيس المنتخَب إدارة شؤون الاتحاد وتمثيله أمام الجهات الرسمية والقضائية، فضلًا عن رئاسة جلسات مجلس الاتحاد والإشراف على تنفيذ المشاريع والخطط المشتركة.

إذا القانون واضح لكن بينه وبين السياسة ثمة استثناءات بحسب المصادر التي تقول” لا تخلو انتخابات رؤساء اتحادات البلديات من التجاذبات السياسية والطائفية، حيث تسعى بعض القوى إلى التأثير على النتائج انسجاما مع توازنات مناطقية أو حزبية تتفوق أحيانا على تلك التي تظهرفي الانتخابات البلدية. وفي حين تُحسم رئاسة بلدية ما أحيانا وفق اعتبارات عائلية أو محلية، إلا أن الاتحاد البلدي يتطلب توافقا بين عدد من رؤساء البلديات، ما يفتح الباب امام تحالفات سياسية أوسع، قد تتجاوز حدود البلدة الواحدة. وهنا تبرز أهمية الدور السياسي الذي قد يلعبه رئيس الاتحاد، سواء كممثل لمنطقة بأكملها أمام السلطة المركزية، أو كوسيط بين البلديات ومؤسسات الدولة”.

بخلاف رئيس البلدية الذي قد يتخذ قراراته ضمن مجلسه المحلي، قد يجد رئيس الاتحاد نفسه أمام معضلة إدارة تفاهمات بين عدة رؤساء بلديات، كل منهم منتخب بدوره. “وقد تؤثر نتائج انتخاب رئيس الاتحاد البلدي على مستقبل منطقة بأكملها، وتفرض على المتابعين والمعنيين بالتنمية المحلية إعطاء هذا الاستحقاق ما يستحقه من انتباه ومراقبة، سيما وأن  صلاحيات رئيس الاتحاد واسعة وتشمل تنفيذ مشاريع تنموية كبرى من شبكات طرق، وبنى تحتية، ونفايات، وإنارة، وبيئة، ما يتيح للرئيس قدرة على التأثير في ملفات خدماتية حساسة تؤثر على حياة عدد أكبر من المواطنين، كما يستطيع توجيه الدعم والتمويل لمشاريع بلديات معينة دون غيرها، أو التأثير على قرارات مشتركة، مما يجعل موقعه مركزياً في تحديد “الأفضلية” داخل الاتحاد”.

غالبا ما تُعدّ رئاسة الاتحاد منصة لمواقع سياسية أعلى (النيابة أو حقيبة وزارية) لأنها تكشف عن قدرات الشخص في الإدارة والتفاوض والتأثير ضمن بيئة سياسية مركّبة. وبما أن رؤساء البلديات أو من يمثلهم هم من  يصوتون لانتخاب رئيس الاتحاد، فإن الأحزاب التي دعمت هؤلاء الرؤساء خلال الانتخابات البلدية، تكون عمليًا قد ضمنت “كتلة ناخبة” داخل الاتحاد. وبالتالي، يكون للحزب الأقوى تمثيلا في البلديات المكوّنة للاتحاد أفضلية كبيرة للفوز بالرئاسة.

إشارة تختم بها المصادر مفادها أن “انتخابات اتحاد البلديات ليست مجرد منافسة إدارية، بل هي انعكاس مباشر للعبة النفوذ بين الأحزاب والعائلات والطوائف، وغالبًا ما تكون مؤشرًا مبكرًا للانتخابات النيابية أو لتحولات داخل المجتمع المحلي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى