سلايدات

شراكة إسرائيلية – هندية لمواجهة المثلّث السّنّيّ

كتب وليد صافي في اساس ميديا:

ما تزال الهزّات الارتدادية لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية تفعل فعلها بين النخب في إسرائيل. إذ لم يهضموا بعد ما حقّقته المملكة من إنجازات، لا سيما في الدور المرتقب لها في رسم الخريطة الجيوسياسية الجديدة في المنطقة. لم يهضموا أيضاً ما يعتبرونه مباركة ترامب لدور تركيا، وتكريس رعايتها للنظام الجديد في دمشق، علاوة على الدور الكبير للرياض في رفع العقوبات عن سوريا، بهدف تحقيق استقرارها ومنع انزلاقها إلى حرب أهليّة تتيح ظروف عودة اللاعب الإيراني إليها.

 

القصّة لم تنتهِ في إسرائيل عند هذا الحدّ، إذ يقلقهم توازن الرعب النووي الذي تقيمه باكستان بمواجهة الهند، والذي حافظت عليه في الأحداث الأخيرة التي نشبت بين البلدين. على الرغم من الاختلافات في السياسة الخارجية بين المملكة وتركيا وباكستان، ثمّة من يعتبر في إسرائيل أنّ هذا المثلّث السنّي، إذا ما أضفنا إليه مصر، يقلب التوازن في الشرق الأوسط ويهدّد التفوّق النوعي الذي تعمل إسرائيل باستمرار للمحافظة عليه.

لهذا تراهن تل أبيب هذه الأيّام على إقامة شراكة استراتيجية مع الهند ترتكز على القوّتين النوويّتين الهندية والإسرائيلية. والهدف واضح، وهو مواجهة التوازن الذي تمثّله الدول السنّيّة في المنطقة.

عداء الهندوس للمسلمين رهانٌ إسرائيليّ مزمن 

اعتراف الهند بإسرائيل في الخمسينيات من القرن الماضي لم تكتمل شروطه، إذ بقيت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قائمة على مستوى القناصل حتّى عام 1992. وقد تميّزت في تلك الفترة بالبرودة والاضطراب على خلفيّة موقف حزب المؤتمر الوطني الحاكم من القضيّة الفلسطينية وعلاقته الوثيقة بالعالم العربي.

في السنوات الأخيرة رفعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السرّية عن مجموعة من الوثائق التي كشفت عن الرهانات الإسرائيلية في مرحلة العلاقات المضطربة على الدور الذي تلعبه الأحزاب الهندوسية المتطرّفة، والتي تشهر العداء الواضح للمسلمين.

إسرائيل تفتّش هذه الأيّام عن حليف يتقاسم معها العداء للدول السنّية في المنطقة

كشفت الوثائق أيضاً عن المساعدات العسكرية التي أرسلتها إسرائيل إلى الهند أثناء النزاع مع باكستان عام 1965، ودور الموساد في إقامة العلاقات مع النسيج الهندوسي المعادي للمسلمين وتوطيد العلاقات مع حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، الذي سيتولّى الحكم لاحقاً بزعامة ناريندا مودي الذي زار اسرائيل في تمّوز 2017.

اعتُبرت هذه الزيارة بداية تحوّل كبير في العلاقات الهندية الإسرائيلية وفتحت أفق التعاون العسكري وتبادل الخبرات وتوسيع حجم التجارة بين البلدين. تضاعف الرهان الإسرائيلي على الهند عقب إعلان قمّة مجموعة العشرين في نيودلهي في أيلول 2023 عن ممرّ التجارة الخلفيّ، الذي يدعمه الاتّحاد الأوروبي والولايات المتّحدة بهدف ربط أوروبا والشرق الأوسط والهند لتقليص النفوذ الجيوسياسي الذي تسعى إليه الصين من خلال طريق الحرير. وتضاعف الرهان أيضاً على هذا الممرّ في أن يجعل من إسرائيل واجهة أوروبا على آسيا ويؤدّي إلى انخراطها الكامل في اقتصاد المنطقة.

الهند

لكنّ الرهانات هذه اصطدمت بموقف وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يمسك بأهمّ مفاتيح هذا الممرّ عبر الجغرافية السعوديّة. إذ لا يبدو أنّه على استعداد كي يقدّم لحكومة نتنياهو أيّ امتياز في هذا المجال قبل انطلاق المسار السياسي الذي يؤدّي إلى حلّ الدولتين.

“مودي” صيد ثمين لتل أبيب 

الإسرائيليون في مرحلة مراجعة حساباتهم وقراءة التحوّلات الأخيرة في المنطقة. ويبدو أنّ ثمّة اعترافاً بأنّ حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر في ما يتعلّق بدورٍ لإسرائيل محوريّ في إعادة رسم خريطة المنطقة. والرهانات التي راودت بنيامين نتنياهو، تارة لإقامة تحالف مع الدول العربية السنّية في مواجهة إيران، وطوراً لتغيير حدود سايكس-بيكو من البوّابة السورية، باتت جميعها بلا صلاحيّة، الأمر الذي دفع الإسرائيليّين إلى نقل رهاناتهم إلى الهند بزعامة مودي الذي يملك ماضياً معادياً للمسلمين.

بين البحث عن شراكة استراتيجية مع الهند وبين تبديد فرص السلام العادل في المنطقة، يسود ضياع في إسرائيل وتخبّط لم يسبق له مثيل

إسرائيل تفتّش هذه الأيّام عن حليف يتقاسم معها العداء للدول السنّية في المنطقة. وفي هذا الإطار، كتب بوغاز غولاني مقالة في صحيفة معاريف بعنوان: “آن الأوان لعلاقة استراتيجيّة شاملة مع نيودلهي”. عبّر الكاتب في المقالة عن “أحد الاستنتاجات التي ينبغي لإسرائيل استخلاصها من زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدول الخليج، واستمرار “العدوان” الحوثي، واحتدام الصراع التاريخي بين الهند وباكستان، وهو ضرورة توسيع وتعميق علاقاتها بالهند، وصولاً إلى مستوى تحالف دفاعيّ متبادل”.

يجادل الكاتب بالمقالة في تداعيات زيارة ترامب للمنطقة على إسرائيل، إذ يعتبر أنّ الرئيس الأميركي قد تجاهل مصر في هذه الزيارة وقدّم احتراماً كبيراً للمملكة العربية السعودية وأعطى شرعية لتركيا في رعايتها للنظام السوري بقيادة أحمد الشرع. وجادل أيضاً في التحدّيات التي تواجه الهند في نزاعها مع باكستان، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه تركيا في تزويد إسلام آباد بمعدّات عسكرية متطوّرة استُخدمت في النزاع الأخير في كشمير.

بالطبع لم يخفِ الكاتب قلق الإسرائيليين من الدور التركي في سوريا بمباركة أميركية، وتداعيات التعاون الأميركي- السعودي في المجالات العسكرية والتكنولوجيّة التي ستنعكس على مستوى التفوّق النوعيّ الإسرائيلي، بالإضافة إلى التهديد الذي تمثّله دولة باكستان التي تمتلك قدرات نووية كبيرة تحسب لها إسرائيل ألف حساب.

يختم الكاتب مقالته بالدعوة إلى توسيع التعاون العسكري بين الهند وإسرائيل، وأن “لا تستند سياسة الردع تجاه هذه الدول إلى إسرائيل فقط، بل إلى تحالفات أوسع، تشمل قوى حليفة أُخرى”. ويضيف أنّ “إقامة تحالُف دفاعي استراتيجي بين إسرائيل والهند، من شأنه أن يضيف طبقة مهمّة إلى منظومة الردع في مواجهة التهديدات النووية القادمة من الشرق”.

إقرأ أيضاً: الهند – باكستان: حرب الفقراء النّوويّة؟

في الخلاصة، بين البحث عن شراكة استراتيجية مع الهند وبين تبديد فرص السلام العادل في المنطقة، يسود ضياع في إسرائيل وتخبّط لم يسبق له مثيل. لكنّ العلامة الفارقة لهذه المرحلة أنّ تل أبيب تشعر لأوّل مرّة بأنّها ليست اللاعب الذي يملك في يده مفاتيح مستقبل المنطقة.

 

*أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى