سلايداتمقالات

ترسيم الحدود البحرية مع قبرص قاب قوسين أو أدنى؟

كتبت غادة حلاوي في المدن:

تقدّم النقاش بشأن الورقة الأميركية التي حملها الموفد الأميركي توم باراك على سائر التطورات الأخرى. لا يزال البحث بشأنها متواصلاً، فيما تتابع اللجنة المؤلفة من ممثلي الرؤساء الثلاثة عملها على صياغة الرد على الورقة الثانية، مستندة في ذلك إلى الرد على الورقة الأولى بشكل عام، مع التشديد على ضرورة توافر الضمانات لأي اتفاق، وقيام إسرائيل بخطوة أولى كالإعلان عن وقف العدوان على لبنان، تمهيدًا لبدء البحث الجدي في الخطوات المطلوبة من الجانب اللبناني.

وعلى خط موازٍ لهذا النقاش، يخوض لبنان نقاشًا آخر يتعلق بترسيم حدوده مع دولة قبرص المجاورة. وخلال زيارة قام بها وفد قبرصي إلى لبنان مؤخراً، طُرح موضوع ترسيم الحدود بشكل موسّع. وقد عقد الوفد القبرصي مشاورات مطوّلة مع وزير الأشغال العامة فايز رسامني، تركزت على آلية العمل للمباشرة في ترسيم الحدود البرية بين لبنان وقبرص. وتأتي هذه الخطوة ترجمةً عملية للزيارة التي قام بها الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى قبرص، حيث أجرى محادثات مع نظيره القبرصي نيكوس خريستودوليدس، وتمّ الاتفاق خلالها على إعادة فتح ملف ترسيم الحدود البحرية، الذي كان قد واجه في السابق عقبات متتالية وأُقفل لأسباب سياسية أكثر منها تقنية.

واليوم، وبعدما بات لبنان مطالباً دولياً بإنجاز خطوات جدية على صعيد ترسيم الحدود البحرية والبرية مع سوريا وقبرص، وهي حدود مشتركة بطبيعتها في بعض أجزائها، ارتأى لبنان تحريك الملف ووضعه على سكة التنفيذ ترجمت بزيارة عون إلى قبرص تتويجا لبحث كان بدأ بعيدا عن الإعلام بين البلدين. ويمكن اعتبار زيارة عون والتي تلتها زيارة الوفد القبرصي تتويجا لاتفاق الدولتين على ترسيم حدودهما البحرية.

تحديد الحدود البحرية

تعود اولى خطوات بحث الحدود إلى العام 2007،  يوم وقّع لبنان وقبرص اتفاقية لتعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، وتمّ تحديد تلك الحدود بخط وسط يتألف من ست نقاط، من النقطة رقم (1) جنوبًا إلى النقطة رقم (6) شمالًا. غير أن هذه الاتفاقية لم تحسم إحداثيات النقطتين (1) و(6)، أي طرفي خط الحدود البحرية، بل تُرك الأمر إلى حين استكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان شمالًا مع سوريا وجنوبًا مع فلسطين المحتلة، حيث تتقاطع هذه الحدود مع امتداد خط الوسط المتفق عليه مع قبرص.

في عام 2009، استكمل لبنان ترسيم حدوده الشمالية والجنوبية، وأصبحت حدوده مع قبرص تمتد جنوبًا إلى النقطة (23) بدلًا من النقطة (1)، وشمالًا إلى النقطة (7) بدلًا من النقطة (6).

وفي عام 2010، استغلت إسرائيل هذه الثغرة في الاتفاقية بين لبنان وقبرص، حيث اعتمدت النقطة المؤقتة رقم (1) كنقطة انطلاق لترسيم حدودها مع قبرص، بدلًا من النقطة (23)، وامتد الترسيم إلى النقطة (12).

وفي تموز 2011، قامت إسرائيل بترسيم حدودها البحرية مع لبنان من رأس الناقورة حتى النقطة (1) بدلًا من النقطة (23)، وأبلغت الأمم المتحدة بذلك، ما أدى إلى خلق منطقة بحرية متنازع عليها تُقدّر مساحتها بحوالى 860 كلم².

وفي ظل التطورات المتسارعة في المنطقة، سواء في سوريا أو لبنان، أعادت الولايات المتحدة فتح ملف الترسيم وطرحته كبند يجب على لبنان إنجازه، سواء مع سوريا وقبرص أو مع إسرائيل، في خطوة تهدف إلى ضمان أمن إسرائيل وتحصين حدودها. وخلال زيارة وفد لبناني رسمي مؤخرًا إلى سوريا، لم يُخفِ الرئيس السوري أحمد الشرع أن الترسيم مطلب دولي، سواء مع لبنان أو مع قبرص. كذلك تلقّى لبنان رسائل واضحة من الموفدين الأميركيين بشأن ضرورة اتخاذ خطوات عملية في ملف الترسيم.

وخلال زيارته إلى لبنان، كشف الوفد القبرصي عن مستجدات جديدة تتعلق بترسيم الحدود البحرية المشتركة بينه وبين سوريا ولبنان.

الترسيم قريباً؟

وأكدت مصادر معنية لـ”المدن” أن الملف يسلك مساره الطبيعي، وأن الأمور وضعت على السكة الصحيحة، كاشفة أن الوفد القبرصي حمل معه تصوراً لآلية الترسيم. وقد تم الاتفاق خلال الاجتماعات مع مسؤولي وزارة الأشغال على عدة نقاط، ما يعزز احتمال التوصل إلى اتفاق ترسيم عما قريب متى  اكتملت الخطوات المطلوبة، وهو ما يصر عليه الجانب اللبناني.

اتفاق سري مع الأسد؟

ومن أبرز الأمور التي تم التفاهم بشأنها بين لبنان وقبرص، الاتفاق حول النقطة رقم (7) من الحدود، بانتظار التوصل إلى اتفاق على الحدود البرية مع سوريا. بالمقابل، لم يُبحث موضوع النقطة رقم (23)، وهي نقطة خلافية بين الجانبين. مبدئيًا، قدّمت قبرص تصورًا يستند إلى خط الوسط المتساوي البُعد كما هو محدد في مرسوم عام 2011، والذي ينطلق من النقطة رقم (7) .

والجديد الذي كُشف النقاب عنه خلال المباحثات هو أن النظام السوري، بقيادة بشار الأسد، كان قد أبرم اتفاقًا سريًا لترسيم حدوده مع قبرص، دون علم الجانب اللبناني، وهو ما أثار استغراب المسؤولين في لبنان.

وقد بات البحث متقدّمًا، ومن المفترض أن يُستكمل في لقاءات لاحقة بين الجانبين اللبناني والقبرصي. لكن يبقى السؤال: هل سيكون ممكنًا استكمال هذه الخطوات في ظل الأوضاع المتدهورة في سوريا، خصوصًا أن هذا الترسيم لا يمكن أن يكتمل من دون انخراط سوريا كطرف معني؟ فهو ترسيم ثلاثي، لا ثنائي، إلا في نقاط محددة. لكن ما تريده الولايات المتحدة أن ينجز الترسيم وتكتمل معالمه من الجنوب مع إسرائيل إلى قبرص مرورا بسوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى