سلايداتمقالات

إنقسام المعارضة يخدم مخطط حزب الله للفراغ الرئاسي

كتب العميد الركن نزار عبد القادر في إفتتاحية اللواء:

صرح دافيد هايل مساعد وزير الخارجية الاميركي الاسبق امس بأن كل القضايا الاساسية التي يحتاج لبنان الى تحقيقها ستبقى مؤجلة اذا لم ينتخب رئيس جديد للجمهورية. وتعني الترجمة العملية لهذا القول بأن لبنان سيستمر في انزلاقه الانحداري نحو قعر الهاوية، وبأن كل الاستحقاقات الاساسية ستبقى دون حل، ومن ابرزها: التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي مع كل ما يرتبط معه من تشريعات اصلاحية واجراءات تنفيذية واهمها اعادة هيكلة المصارف واعادة هيكلة ديون الدولة، وانهاء ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، بالاضافة الى القيام بعملية اعادة هيكلة الدولة، وتنفيذ ما تبقى من بنود الطائف الاصلاحية على المستويين السياسي والاداري.

ad

يحمل كلام دافيد هايل في توقيته ومضمونه رسالة تحذير لكل الطبقة السياسية من مغبة الاستمرار في سياسة التعطيل والالغاء التي درجوا على اتباعها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي ادت في نهاية المطاف وبعد عقد ونصف من الفساد والنهب والتبذير الى افلاس لبنان وافقار معظم اللبنانيين وانهيار الدولة. ومن المفترض ان تأخذ القوى السياسية وخصوصاً العهد وتياره السياسي وحزب الله كلام هايل على محمل الجد، وذلك انطلاقاً من معرفته العميقة بالسياسة اللبنانية وبجميع اسرارها وبالألاعيب التي يلجأ إليها مختلف القياديين لتقديم مصالحهم على حساب مصلحة الوطن والشعب.

يدرك جميع السياسيين اللبنانيين جيداً بأن هايل وفلتمان وساترفيلد هم من اكثر السفراء الاميركيين الذين خدموا في لبنان معرفة بالسياسة اللبنانية وبالمشاكل التي يعاني منها لبنان منذ عقدين على الأقل.

يبدو بأن رسالة هايل في توقيتها عشية انعقاد جلسة المجلس النيابي الثانية والمخصصة لانتخاب رئيس جديد هي موجهة لمختلف الكتل النيابية لحثها على عدم تعطيل الجلسة بتهريب نصاب ثلثي اعضاء المجلس النيابي اي 86 نائباً وتسريع التوافق على مرشح سيادي من صفوف المعارضة، قادر على السير قدماً بالعملية الاصلاحية لاخراج لبنان من ازمته المستفحلة.

وتعبّر الرسالة في مضمونها على مدى حرص صاحبها، وعن التوجه الاميركي العام لمنع انهيار الدولة اللبنانية، وبما يحقق البيان الذي صدر عن وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية، والذي صدر بعد اجتماعهم على هامش جلسات الجمعية العمومية، للامم المتحدة في ايلول الماضي.

ad

على خط موازٍ لتصريحات المسؤولين الاميركيين والفرنسيين والاوروبيين والتي تحث جميع المسؤولين اللبنانيين على تسريع الخطى لانتخاب الرئيس العتيد، وتفادي كل سياسات الانكار وخصوصاً تلك التي يتبعها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والتي تعرقل تشكيل حكومة فاعلة من جهة، وتصنع العراقيل في طريق انتخاب رئيس جديد، وتدفع بالتالي نحو الفراغ الرئاسي، والتي تشير كل تحركات القوى الموالية لمحور «الممانعة» وعلى رأسها حزب الله بأنها باتت رهينة سياسة التعطيل بسبب عدم امتلاكها لاكثرية نيابية تؤهلها للإتيان برئيس يمثل امتداداً لعهد ميشال عون، ويؤمن لها التغطية المسيحية والشرعية.

 

في رأينا لا يمكن لجلسة المجلس النيابي التي دعا اليها الرئيس بري يوم الخميس الموافق 13 تشرين ان تكون مختلفة عمَّا جرى في الجلسة الاولى، حيث من المتوقع ان يتكرر نفس السيناريو لجهة التصويت للنائب ميشال معوض، مع ترقب زيادة بعض الاصوات لصالحه، كما ستشهد تكرار عملية التصويت بأوراق بيضاء من قبل الثنائي الشيعي وحلفائه مع ترجيح ان يقاطع التيار الوطني الحر الجلسة، ومن المعلومات المسرّبة من مصادر نيابية تنتسب لكتلة التيار الى الاعلام.

في العودة لاستعراض مختلف الاستحقاقات الرئاسية، يبدو بأن انتخاب رئيس للجمهورية قد جرى في «ربع الساعة الاخير» للمهلة الدستورية، باستثناء انتخاب الرئيس الياس سركيس الذي جرى باكراً بهدف تخفيف حدة العمليات العسكرية في حرب السنتين.

من المتوقع ان يلعب حزب الله دوراً محورياً في الانتخابات الرئاسية في ظل استمرار نواب المعارضة في تشتتهم وعدم الالتفاف حول مرشح توافقي. ويبدو واضحاً عن نتائج التصويت في جلسة الانتخاب الاولى ومن المبادرات والجهود التي يبذلها النواب التغييريون وبعض نواب السنَّة من الشمال بأن قوى المعارضة ما زالت مشتتة في خياراتها لانتقاء مرشح توافقي وسيادي.

ad

اذا استمرت هذه الانقسامات بين الكتل المعارضة، فإن حزب الله سيعمد الى استغلالها، ورسم خطة مشابهة للسيناريو الذي اعتمده لانتخاب ميشال عون عام 2016، بحيث يعطل الاستحقاق الانتخابي ويفرض حالة الفراغ، ويضغط بكل الوسائل المتاحة لتفكيك تحالفات قوى المعارضة واخضاعها للالتحاق بمشروعه بصورة مباشرة كما جرى مع تيار المستقبل او بصورة غير مباشرة كما جرى مع القوات اللبنانية.

في حال نجحت المساعي الدولية والعربية في عقلنة قرارات الكتل المعارضة للتوافق على مرشح موحّد، بحيث يتأمن له تصويت 65 نائباً اي نصف اعضاء المجلس زائد واحد، فإن حزب الله لن يستسلم لهذا الخيار، بل سيلجأ الى استعمال فائض قوته العسكرية ونفوذه، مدعوماً من ايران ومن النظام السوري لمنع انعقاد المجلس النيابي وذلك من خلال تنفيذ انقلاب داخلي على غرار ما فعله في 7 ايار عام 2008، او من خلال افتعال حادث امني ضد اسرائيل في البحر او البر، من اجل ايجاد المسوّغ الواقعي لتأجيل انعقاد المجلس النيابي وفتح الباب للفراغ الرئاسي والذي قد يدوم لعدة سنوات.

تبرز الحاجة الملحة ان تتركز وتتضافر جميع الجهود الداخلية والخارجية على توحيد صفوف المعارضة، حيث هي منقسمة ما بين التكتلات المستقلة وكتلة النواب التغييريين، والذين ما زالوا يبحثون في خياراتهم لانتقاء مرشح غير النائب ميشال معوض والمعتمد كمرشح توافقي من اكثرية نواب المعارضة. وظهر هذا الانقسام جلياً في الجلسة الاولى وهو مرشح للتكرار في جلسة غد الخميس 13 تشرين اول.

في النهاية يجب ان تدرك جميع قوى المعارضة بأنه لم يعد من الجائز او الممكن اللعب في الوقت الضائع، لان المهلة المتبقية للوقوع بالفراغ لا تتجاوز 20 يوماً، وضياع الوقت بدل التوافق عاجلاً سيصب لصالح خطط حزب الله وتيار العهد، لتعطيل العملية الانتخابية والوقوع في الفراغ الدستوري في ظل الاستمرار في منع قيام حكومة كاملة الاوصاف يمكنها ان تعبئ الفراغ الرئاسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى