سلايداتمقالات

زمطتنا من رصاصة طايشة

كتبت: كفا عبد الصمد

زمطتنا من رصاصة طايشة، ليست دعابة بهدف الضحك أو تلميح بهدف السخرية، هي حقيقة يمكن أن تعيشها في بلد بات كل ما فيه ممنوع الا امتلاك السلاح بطريقة عشوائية، فهو قانون مسموح ومغطى من زعماء الطوائف كل بحسب منطقته..
في مكان ما يشبه كل مكان في بلدنا، وعندما كنت اهم لمغادرة مركز عملي، وبرفقتي شاب دون الخامسة عشر من عمره، كنت مؤتمنة عليه من قبل اهله، ومكلفة بإعادته اليهم سالما غانما، فجأة ظهر أمامنا شاب في مقتبل الحياة، لا تتخطى سنواته العشرين، يملك لحية سوداء، تشبه سواد قلبه، يمشي نافخا صدره واضعا مسدسا على خصره يتباهى به أمام الجميع، ويمر بطريق فرعية، في منطقة تعج بالسكان الآمنة والأطفال الصغيرة التي تختار الفضاء الخارجي مسرحا لألعابها البسيطة وكراتها الملونة.. هذا القبضاي كان قد تعرض الى مشكلة مع شخص من الجنسية السورية وتطاول الخلاف ليصبح بين الجيران، بعد وقوفهم الى جانب العامل البسيط.. تفاصيل المشكلة لا تعنيني، ولا حتى من يملك الحق، ما يهمني فعلا، هي صورة هذا القبضاي العبقري، الذي أجهر سلاحه علنا، وصدح صوته في أرجاء المكان، يهد ويقد ويشتم ويتمرجل وصوت الرصاص الصادر من مسدسه المفاخر به، يعزف على الحان صوته العالي ومشيته المتباهية، وكأنه قائدا يقتحم ثكنة عسكرية استولى عليها العدو.
ارعبني صوت الرصاص، نعم ارعبني، خفت على نفسي من رصاصة طائشة وخفت على هذا الصبي الذي حملتني عائلته مسؤولية حمايته.. وقبل أن تتضح الصورة ويأتي الأب العظيم ليضب ابنه المتخلف الذي يتبجح بحمله للسلاح، ظنا منه انه سيكسب احترام ومحبة الآخرين ويفرض وهرته على من حوله، لأن تحكمه سطوة لا حول لنا ولا قوة أمامها، كان لا بد من طرح بعد الأسئلة الأساسية التي تحدد صورة هذا الجيل وما الذي سيقدمه للمستقبل..
لماذا يحمل فتى انهى مؤخرا مراهقته سلاحا ويتفاخر بوضعه على خصره كيفما تنقل؟
لماذا يسمح الأب لأبنه بأن يبسط سلطة وهمية على جيرانه وأهله وسكان حيه بهذه الطريقة؟
لماذا يجد شاب بهذا العمر مكانا له في الشارع بدل أن يكون خلف كتابه، أو في نادي رياضي، أو في مكتبة عامة، أو أقلها مع مجموعة من الأصدقاء والصديقات يعيش مراحل سنه بشكل طبيعي وبسيط؟
لماذا يسمح لأي كان باقتناء السلاح؟ وهل يعقل أن نكون جميعنا ضحايا رصاص طائش بسبب أو من دون سبب، فقط لأنه يصادف مرورنا في المكان الخطأ والتوقيت القاتل؟…
لم تمر الحادثة عندي مرور الكرام، وكنت على ثقة أني إذا اتصلت بالجهات الأمنية المختصة، كان الأمر سيتلفلف، لأن العائلة تدعهما جهات سياسية حاكمة، وكان من الممكن أن أكون المسؤولة ويتم وضعي في خانة العابثين بأمن الدولة.. ناهيك ذلك، فكرت كثيرا، ماذا لو أن رصاصة طائشة زرعت في جسدي بالخطأ، صحيح أننا نؤمن بأن الموت حق وأن الساعة حين تحين لا شيء سيؤخرها، لكني لا اريد أن اموت رخيصة بهذا الشكل.. ماذا أقول للفتى الذي برفقتي، كيف احميه وانا عاجزة عن حماية نفسي، من يعوض على أهله اذا ما أصابه مكروها، كيف افسر له سبب امتلاك فتى يكبره ببضعة سنوات سلاحا قاتلا.. كل هذه الجدلية سببها، تربية عاطلة، وانتماء متخلف، وسياسة هشة، تنمي في ذاكرة ابناؤنا صورا مزيفة عن بطولات وهمية، تقوم على ارعاب الآخر وتهديده بالسلاح..
لا زلت اتسأل بماذا يشعر هذا الأب الذي ركض لاهثا خلف ابنه كي لا يرتكب جريمة، مع أنه هو من أعطاه السلاح، وعزز في داخله هذه السطوة المزيفة والمرجلة المغلوطة، فكان ازعر أكثر من ابنه، حين سمح له بحمل السلاح والتفاخر به..
زمطنا من رصاصة طايشة، نعم، وبات من المؤكد أن في لبنان إن لم تمت بالصدفة فقد تموت بالخطأ لأن هناك طغاة تحكمنا وفاسدين يبنون عروشهم على من غدره الزمن، ولم تكتب له حياة خارج هذه المنظومة القاتلة وهذا النظام المهترئ، وتحت رحمة تجار الدم والفساد..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى