سلايدات

ألسنة “قمّة النار” تطول قطر وتطيح قواعد اللعبة

كتب جوزيف حبيب في نداء الوطن:

دخل يوم 9 أيلول 2025 تاريخ الصراعات الإقليمية الذي استحال مزدحمًا، وسيحفر في الذاكرة الجماعية عند القطريين، كما شكّل محطّة مفصلية بالنسبة إلى قادة “حماس” الناجين. ربطت إسرائيل هذا اليوم بشكل وثيق بهجوم 7 أكتوبر 2023 لتضفي “شرعية” على ضربتها المباغتة. أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر لشن هجوم جوّي معقّد ودقيق لاغتيال قادة “حمساويين” من الصف الأوّل في الدوحة، لكن يبدو أن تل أبيب لم توفّق بـ “صيدها الثمين” هذه المرّة. وكما عوّدتنا في السنتين الأخيرتين، لم تعد إسرائيل تكترث لأي خطوط حمر مهما كانت عريضة، فما بعد 7 أكتوبر ليس كما قبله، على هذا الأساس تتصرّف تل أبيب، بصرف النظر عن الأثمان السياسية والدبلوماسية الباهظة التي قد تترتب عن خطواتها المغامرة. تعمد الدولة اليهودية إلى إطاحة قواعد اللعبة وتغيير مجرى الأحداث بشكل مستمرّ وعلى نحو خاطف وسريع في المنطقة، وعملية “قمّة النار” التي طالت ألسنتها الحارقة قطر، أكبر شاهد على ذلك.

ليس غريبًا على إسرائيل القفز فوق القوانين والأعراف الدولية لتحقيق مصالحها وأهدافها وتنفيذ أجندتها. فالآلة العسكرية الإسرائيلية قطّعت أذرع “الأخطبوط الإيراني” وأعطبتها على طول الخريطة الشرق أوسطية وعرضها، ولم تتردّد لحظة في توجيه صفعة موجعة إلى رأسه في طهران. لكن نقل “كرة النار” إلى قطر يتخطّى بأشواط ما فعلته تل أبيب سابقًا، إذ تعتبر الدوحة الوسيط الرئيسي بين إسرائيل و”حماس” ولها شبكة علاقات متشعّبة رسّخت دورها كمفاوض يُعتمد عليه، وهي حليف موثوق به للولايات المتحدة في المنطقة، فيما يرى الخبراء أن استهداف إسرائيل لقادة “حماس” في قطر يعيد خلط “أوراق المفاوضات” بعد تقديم مقترح أميركي جديد لـ “حماس” يتضمّن إطلاق سراح جميع الرهائن ووقف النار في غزة، تمهيدًا لوضع الحرب أوزارها، عمدت إسرائيل إلى إعلان موافقتها عليه.

يأتي استهداف تل أبيب لقادة “حماس”، التي جزمت الحركة بفشله في اغتيال وفدها القيادي التفاوضي في قطر، بعد يوم من الهجوم الدموي الذي هزّ القدس وتبنّته “كتائب القسّام” قبل وقت قليل من “ضربة الدوحة” أمس. كما تأتي محاولة تصفية قيادات “حماس” بالتزامن مع أوامر الإخلاء الإسرائيلية لسكّان مدينة غزة وفي خضمّ الطروحات والمداولات في عواصم القرار حول “اليوم التالي” للحرب. ليست تل أبيب في عجلة من أمرها لإنهاء حروبها المشتعلة على أكثر من جبهة قبل تحقيق غاياتها التي دفعتها لخوض غمارها. كرّرت إسرائيل التأكيد على لسان مسؤوليها أن قادة “حماس” لن يكونوا بمأمن ولا حصانة لهم في أي مكان على وجه الأرض، وتريد بذلك بعث رسالة حازمة إلى الشارع الإسرائيلي وأعدائها والعالم أجمع، مفادها أن كلّ من له علاقة بهجوم 7 أكتوبر ومن يسعى إلى إزالة إسرائيل من الوجود، سيُقتل ولو بعد حين.

نجاة قادة “حماس” المُستهدفين ستزيد من تصلّب موقف الحركة وتعمّق من أزمة إسرائيل الدولية الناتجة عن حرب غزة، أقلّه في المدى المنظور. وصول يد إسرائيل العسكرية الطويلة إلى الدوحة، التي انضمّت إلى لائحة العواصم العربية وغير العربية التي ضربتها تل أبيب، ستكون له تداعيات سياسية ودبلوماسية بدأت تتكشف ملامحها. سارعت دول الخليج العربية إلى التضامن مع شقيقتها قطر وحذت دول عربية وأجنبية حذوها، بينما حرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب على طمأنة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بأن مثل هذا الهجوم لن يتكرّر. صحيح أن تل أبيب لا تكترث بحساباتها لردود الفعل المناوئة لخطواتها، وهي اعتادت أصلًا التصدّي بضراوة لمثل هكذا مواقف وقرارات، بيد أن إمعان القيادة الإسرائيلية بتجاوز الحدود وكسر المحظورات، سيرتدّ سلبًا على إسرائيل عاجلًا أم آجلًا.

يهدف نتنياهو إلى تغيير مسار حرب غزة بطريقة راديكالية وفرض الشروط الإسرائيلية على طاولة ترتيبات “اليوم التالي”. وبعد اكتمال “المشهد الغزيّ” بما يرضي إسرائيل، ولو بالحدّ الأدنى المطلوب وفق معايير “بيبي”، فضلًا عن إيجاد حلول مقنعة لكافة جبهاتها، عندها فقط تتصرّف تل أبيب كمَن يرغب بتوفير ظروف مؤاتية لتوسيع نادي “اتفاقات أبراهام”، إلّا أن الخبراء يحذرون من أن إصرار إسرائيل على التعامل مع جيرانها بلغة القوّة الخارجة عن الضوابط، يرفع من احتمال تمدّد نيران الحروب بدل ضمّ دول جديدة إلى اتفاقات التطبيع. في كلّ الأحوال، استسهال اعتماد تل أبيب مقاربات أمنية وعسكرية لنيل مرادها قد يحقق لها مكاسب سريعة أحيانًا كثيرة، بيد أن الخطأ غالبًا ما يكون وقعه مدوّيًا، خصوصًا عندما توجّه “ضربة جراحية” غير ناجحة داخل دولة كقطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى