سلايداتمقالات

في زمن البحث عن لبنان!..

كتبت: كفا عبد الصمد

أتعبنا الترحال، وانهكتنا مهمة البحث عن هوية بديلة، انتشارنا في اصقاع العالم لم يغير شيئا من انتماءنا، هنا وهناك وفي اي بقعة يصدح اسم لبنان عاليا، نعود في غفلة من الزمن الى اعلان ولاءنا وتثبيت انتماءنا لبقعة جغرافية، وطن يبحث عن بلد يلقي ظلاله عليه…

حقا لبنان ليس بلدا بل وطنا، يعشعش في عمق الأعماق، وكلما هربنا منه عدنا اليه اكثر شوقا.. وبعد.. جف حبر الأقلام وما زال في جعبتنا الكثير لنكتبه عن لبنان، شيء ما يربطنا بهذه الخرافة التي البسوها ثوب الاوطان وحاولوا جعلها لؤلؤة الشرق ومنارته، بنوا امجادها على الرمال، وتركونا نعيش على الاطلال، على ذكرى بلد كان في احد الايام اجمل الاوطان..

ابحث عن لبنان الذي عرفتنا عليه موسيقى الرحابنة، اكثر من اجرم في حق هذا البلد، حين جعلوه اغنية عذبة وحلما يطال الشمس ويعانق الغيوم، فدخلنا بعبقريتهم في متاهة البحث عن هذا اللبنان، كي نطابق خيال الصورة بواقعية الحال، وصدمنا حين اكتشفنا اننا نقرأ عن لبنان الذي نعرف فقط لكننا لا نملك رفاهية العيش فيه..

بالأمس بدأت الطبيعة موسمها الشتوي، كبت من غضبها ما فاق التوقعات، عواصف وبرد ورعد وبرق، بين لحظة واخرى، سكبت الطبيعة غضبها دفعة واحدة، وصودف اني كنت عائدة الى منزلي، الطرقات غارقة في سيول لا يرحم، والريح تحاول اقتلاع السيارات عن الطرقات، والرعد مخيف كانه يعزف سمفونية الرحيل، وقفت في مكان ما، يفترض انه على جنب الطريق، العتمة التي نغرق بها، تجعلنا نتقن فن القيادة في الظلمة السوداء، نتوقع ونسير على اساس توقعاتنا والله ولي التوفيق.. ركنت على جنب وانتظرت حتى تهدأ العاصفة قليلا كي اعود الى منزلي، الطريق سالك صحيح لكن سواد ظلمته بدد ملامحه، قد يفاجئك كوع، او تصطدم بحائط سد او تقع في جورة عميقة، مفاجآت العتمة لا ترحم.. ادرت الموسيقى رفيقا لي في امسيتي التائهة، فاذا بمارسيل يعني اني اخترتك يا وطني، ضحكت حتى خجلت مني الضحكات، اخترت الوطن الذي يتركني على ناصية الشارع في ليل عاصف، انتظر استراحة من الطبيعة كي اتمكن من العودة الى منزلي، اقود بالفطرة واعتمد على ذاكرتي لاتلمس حدود الطريق واصل بسلام. اخترت وطنا زعماءه ينعمون بالماء والكهرباء والرفاهية وابناءه يقتاتون على نظرات الرضا وبركة القبول…

في زمن البحث عن لبنان، الهوية والانتماء لا تنسوا ان تغلقوا نوافذ منازلكم، وتصكوا الأبواب، وتطفؤوا ضوء القمر في السماء، وتغمضوا اعينكم وتحلمون… تقتاتون على فضلات لا يسمح لكم بأكثر منها، وحين تستفيقون، لا تنسوا ان تخبؤا حلمكم في دفتر عتيق، عله يأتي يوما يتعرف فيه طلاب الحياة على وطن حقيقي يشبه لبنان الذي نريد، اما انتم (نحن)، يكفيكم صوت فيروز وموال وديع ورضا الزعيم كي تعيشون ما تبقى من اعماركم في بلد يحاول ان يكون وطنا..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى