وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة الجمعة، واستهلها: “تأكيدا من الله العزيز الحكيم لحقيقة القوة الأكبر من واقع الأرض وطغيان فراعنتها وطغاتها قال تعالى:(وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ، وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ، إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، قال ذلك بسياق حسمه تعالى لتفاهة وخفّة الظلمة والطغاة الذين يعيشون عقدة القوة والجبروت وفساد الدم وحقد الدوافع على الإنسان وقيمته الوجودية والأخلاقية، فيما الإنسان يعيش وسط أقل من ذرّة فيزيائية في بحر هذا الكون الواسع، والقضية هنا قضية واقع إلهي يقول للخليقة: الأرض أقل من لعبة جبروت وطغيان، وواقع الكون أوسع من إمكانات البشر ونار غرائزهم الشرهة، وصفة الوجود أعمق من مادية الإنسان وقصور حسّه، وبكل مفصل من مفاصل هذا الوجود تجد الله تعالى، وضمن هذا السياق يحسم اللهُ حقيقة الإنتصار على الظلمة والجبابرة والطغاة ويقدّم هذه النتيجة كأمر سهل ومحسوم في عالم السنن وواقع الأعمال الوجودية، ويخلص لنتيجة مفادها أنّ سنن الله حاضرة بمفاصل التاريخ وطبيعة الصراع، كما أن واقع الأرض مفتوح على غوث السماء”.
وقال: “وما يجري على الجبهات التي يشعلها طغاة الأرض وتنتهي بانكشاف قوتهم وقصور قدرتهم عن تحقيق أهدافهم دليل قوي على سفاهة مشروعهم وسخافة عقولهم، وهذا يفترض بالمستضعفين أن يعيشوا الحقيقة السماوية والسنن الدنيوية، وأن يتكاتفوا بسياق تأمين الأرضية اللازمة لكسر الطغاة وتحقيق مطالب الإنسان بكل ما تحتاجه صيغته الإجتماعية والوجودية، وأميركا وإسرائيل فيث هذا السياق مظهر من مظاهر هذا الطغيان المجنون الذي لا بد من مواجهته وتمزيق قواه وعراه”.
ورأى ان “القضية تكمن بتنظيم القوة العادلة وتأمين شروطها وليس بقوة واشنطن وإسرائيل الجامحة، والخطير بهذه المعادلة الأنظمة والشعوب التي تصر على لعب دور النعجة العمياء في هذا المعسكر الطاغي، والشرق الأوسط خير دليل على ذلك، والقضية هنا أن تكون ممانعا أبيا، معتصما بالله وشريكا في نضال الإنسانية وقضاياها، والخطورة بالفساد السياسي، لأن ذلك يحول أنظمة بكاملها مجرد جيش في معسكر الطغيان العالمي، ويدفع بها لأن تكون طغمة قاتلة بمشروع إبادة أطفال ونساء غزة ولبنان، واللحظة للتاريخ، وواقع الإنسان من واقع هويته الإلهية، ومن يخسر مع الله يخسر كل شيء”.
وتابع: “ولبنان قضية أخلاقية وغزة ضمير إنساني، ومحور الصراع الحق والإنسان والأخلاقيات الكيانية والدولية، واليوم لبنان يعيش محنة قتال أخلاقي، وما تقوم به المقاومة قوة سيادية ضامنة ومنطق وطني وأخلاقي قل مثيله، والأصوات المحرضة على المقاومة منحازة بشدة لصالح الآلة الصهيونية وإرهابها، والخصومة السياسية مفهومة إلا أن تصير شراكة مع آلة الحرب الصهيونية، والجبهة الجنوبية لا تحتاج إلى دعم عسكري بل إلى تضامن وطني”.
أضاف :” ويجب الإنتباه إلى أن البلد يعيش لحظة تاريخية برمته، والمنطقة تغلي فوق بركان وشيك، والمقاومة تقاتل بوتيرة أكبر وأشد مراسا وتأثيرا، والواقع القتالي كبير وضامن رغم القوة المفرطة التي يندفع بها الإسرائيلي وداعموه، والخشية فقط من الأتاوة السياسية، وللتحذير أقول: منطقة الشرق الأوسط محكومة بتوازنات تاريخية معقدة، وترامب سيعوم فوق هذه التعقيدات ليس أكثر، ووسط هذه الخريطة لبنان قوي بمقاومته ومشروعه الوطني وشعبه الحاضن”.
واستطرد المفتي قبلان: وللمرة الألف أقول: لا يراهنن أحد على نسف التركيبة السياسية أو الروحية في البلد، والتعويل على تداعيات الحرب خطأ قاتل، ونتيجة الحرب لن تصب بمصلحة تل أبيب، ولبنان كان وسيبقى بلد الشراكة والتضامن الوطني، والدولة مطالبة بإغاثة مواطنيها وتأمين حقوقهم، والتهرب خيانة، والجهات الرسمية ترمي أعباء النزوح على الجمعيات الأهلية والمبادرات الفردية، وإرضاء أي جهة دولية لا يكون على حساب لبنان وسيادته الوطنية، ولبنان ومقاومته وواقعه الوطني قوي جدا وليس بموقع ضعيف، وترك مئات الأطنان من المساعدات الإغاثية بالمدرج الغربي للمطار تحت الشمس والمطر والقصف الصهيوني يصب بصالح إسرائيل وليس بعون النازحين”.
وتابع: “والعرب ستندم على سكوتها عن إبادة غزة، والتاريخ يتغير بشدة، وإسرائيل ربحت الأطلسي وخسرت قدرتها الذاتية، والمقاومة أكدت مجددا أنها أكبر من أكبر مشروع دولي وأهم من أخطر اندفاعة أطلسية، واللحظة الآن للسيادة والوحدة الوطنية والعائلة اللبنانية التي أكدت أنها فوق الزواريب السياسية، ونهاية الحرب ليست بعيدة، وما يجري الآن تحضير مادة التسوية بالنار، وسيادة لبنان محمية بالتضحيات والقدرات الضامنة، وواقع الجبهة الجنوبية يؤكد القيمة السيادية الفعلية للبنان”.
ورأى المفتي قبلان “ان التحريض على المقاومة لا يخدم لبنان، والتجربة الحالية للتضامن الأهلي تؤسس لنوع من إلفة وطنية لا سابق لها، ولا مقايضة سياسية، ولا تراجع عن أولويات لبنان، ولا انتقاص وطنيا، ولا سيادة فوق سيادة لبنان”.