كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:
لم تُفاجأ الكتل النيابية بترحيل انتخاب رئيس للجمهورية إلى جلسة يعقدها البرلمان اللبناني الخميس المقبل الذي يتزامن مع بدء الأيام العشرة التي تبقي على المجلس النيابي في حالة انعقاد دائم إلى حين انتخابه قبل أن يغادر رئيس الجمهورية ميشال عون إلى منزله في الرابية فور انتهاء ولايته الرئاسية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، برغم أن المتاريس السياسية المنصوبة داخل البرلمان لا توحي بأن الاستحقاق الرئاسي سيُنجز في موعده الدستوري ما يُدخل البلد في شغور رئاسي قد يكون مديداً إلا في حال أسهمت رافعة دولية للضغط لانتخابه لقطع الطريق على تمديده إلى أمد طويل. فتعذر انعقاد الجلسة النيابية الثانية لا يعود إلى قرار تكتل «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل بمقاطعتها احتجاجاً على تلازم انعقادها مع حلول الذكرى الثانية والثلاثين لإخراج العماد عون من قصر بعبدا، وإنما إلى ملاقاته في موقفه من قبل الثنائي الشيعي الذي وزع نوابه بين أقلية دخلت قاعة الجلسة وبين أكثرية تنقلت بين الممرات والمكاتب المحيطة بها لمنع انعقاد الجلسة بسبب تعذر تأمين النصاب القانوني لانعقادها.
لذلك فإن إلباس تطيير النصاب إلى باسيل ليس دقيقاً لأنه يحجب الأنظار عن القرار المسبق الذي اتخذه الثنائي الشيعي بعدم تأمين النصاب وحصر مشاركته في الجلسة بعدد رمزي من النواب المنتمين إليه والآخرين ممن يدورون في فلكه، وبالتالي فإن الصيت بفقدان النصاب يعود لباسيل فيما الفعل يسجل للثنائي بذريعة التضامن مع «التيار الوطني الحر»، وإن كان الهدف يتجاوزه إلى تفادي الإحراج على خلفية عدم قدرة «حزب الله» على التوفيق بين حليفيه باسيل وزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، خصوصاً أن اقتراعه بورقة بيضاء كما حصل في جلسة الانتخاب الأولى بات يشكل إحراجاً له في الداخل والخارج.
ويحاول «حزب الله» أن يوحي في العلن بأن حضوره الرمزي هو تعبير عن تضامنه مع حليفه باسيل في مقابل مبادرة كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري إلى تفسير نصف مقاطعة نوابها للجلسة على أنها تأتي في سياق الضغط للتوافق على رئيس للجمهورية.
وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» إن «حزب الله» هو من أشرف على توزيع النواب المنتمين إلى محوره بين أقلية تدخل إلى القاعة وأكثرية ترابط في خارجها لضمان تطيير النصاب المطلوب لانعقادها، ويؤكد أنه نظمها بإتقان وأن التضامن مع باسيل ما هو إلا ذريعة لتوفير الغطاء لعدم استعداده للدخول في تسوية مع المعارضة التي لم تتمكن حتى الساعة من توحيد موقفها بترشيح من تراه مناسباً لتولي رئاسة الجمهورية ويؤدي حتماً إلى قطع الطريق على إقحام البلد في شغور رئاسي.
ويسأل المصدر السياسي: ما الجدوى من لجوء نائب «حزب الله» حسن فضل الله للهجوم على الفريق الذي يدعم ترشيح النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية بذريعة أنه يشكل تحدياً للآخرين؟ وما المانع من مبادرة فريقه إلى ترشيح من يراه مناسباً لتولي الرئاسة؟ وهل يحق له حرمان هذا المرشح أو ذاك من خوض المعركة الرئاسية؟ وأين تكمن الديمقراطية في هذا التصرف بالطلب من خصومه التقيد بمواصفات الحزب كشرط لترشح معوض أو غيره؟
ويلفت إلى أن إصرار الثنائي الشيعي بلسان معظم نوابه على عدم وجود مرشح لديه يكمن في أن الحزب يواجه إحراجاً في حال قرر دعم ترشح فرنجية لأنه يُقحم نفسه في مفاضلة، ما دام باسيل ليس في وارد التسليم بمراعاته لتأييد زعيم تيار «المردة»، ويقول إن الأخير يمتنع حتى الساعة عن الإعلان عن ترشحه حتى لا يقال إنه مرشح الثنائي الشيعي للرئاسة ما يشكل له إحراجاً في الشارع المسيحي ما دام يفتقد إلى دعم كتلة مسيحية وازنة.
ويتطرق إلى المبادرة الرئاسية التي طرحها باسيل ويحاول تسويقها لدى الكتل النيابية، أكانت موالية أم معارضة، ويقول إنه جاء متأخراً بحثاً عن دور في الوقت الضائع، وبالتالي فهو يحاول الهروب إلى الأمام لتفادي طرح نفسه مرشحاً للرئاسة أو تسمية من يراه مناسباً لخوض المعركة.
ويضيف المصدر السياسي أن باسيل يتصرف بعد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية على أنه شخص آخر غير باسيل ما قبل إنجازه، وهذا ما يتيح له التودد لواشنطن على خلفية الدور الذي لعبه لدى «حزب الله» بإقناع قيادته بالسير في الاتفاق، ويؤكد أنه يراهن على حصول تطورات، إنما في مرحلة الشغور الرئاسي يمكن أن تدفع بوزارة الخزانة الأميركية لإعادة النظر في العقوبات المفروضة عليه لدوره في تبديد العقبات التي يمكن أن تؤخر إنجازه، مع أن إيران كانت حاضرة بامتياز في المفاوضات التي مهدت للاتفاق وتحديداً من خلال الدور الذي لعبته باريس.
ويرى المصدر نفسه أن «حزب الله» وإن كان ليس جاهزاً للوصول إلى تسوية رئاسية فهو لن يتخلى عن دعمه لفرنجية، لكنه يؤجل قراره لعدم دخوله في صدام مع حليفه الآخر باسيل، ويقول إنه يراهن على كسب تأييد عدد من النواب الذين يقفون في الوسط بين المعارضة وبين المحور الذي يتزعمه، إضافة إلى أنه يترقب صدور الطعن في نيابة عدد من النواب المحسوبين على الفريق الآخر، ما يعزز امتلاكه لنصف عدد النواب زائداً واحداً أي 65 صوتاً، لكن هذا لا يعني أنه يبدي حماسة للتوافق على رئيس تسوية.
وعليه، فإن الحزب يتعاطى مع الاستحقاق الرئاسي من زاوية إقليمية بخلاف الآخرين وهو يراقب حالياً المفاعيل الخارجية للاتفاق على ترسيم الحدود ومدى تأثيرها على إمكانية خفض التوتر بين طهران وواشنطن لما لإيران من دور في إعطاء الضوء الأخضر لحليفه في لبنان لتوفير الغطاء السياسي لولادة اتفاق ترسيم الحدود.
فـ«حزب الله» يقاتل حالياً لتسهيل تعويم حكومة تصريف الأعمال ظناً منه، بحسب المصدر السياسي، أنها البديل لملء الشغور الرئاسي لعل تعويمها يؤدي إلى استيعاب التأزم على أن تكون بمثابة جائزة ترضية لإدارة الشغور في منأى عن جر البلد للدخول في فوضى دستورية من جهة، ولإعطاء إيران فرصة للتفاوض مع المجتمع الدولي من موقع تسهيلها للوصول إلى اتفاق لترسيم الحدود وإمساكها بالورقة اللبنانية من جهة ثانية.
لكن إنجاز ترسيم الحدود البحرية لم ينسحب إيجاباً على الوضع السياسي المأزوم الذي لا يمكن الخروج منه إلا بتوافق الكتل النيابية على ترسيم الحدود السياسية كشرط لا بد منه لـ«التنقيب» عن رئيس للجمهورية، وهذا ما يستدعي الحاجة إلى رافعة دولية تدخل على خط الاستحقاق الرئاسي لتذليل العقبات لانتخاب الرئيس في موعده، وإن كانت هذه الرافعة ليست متوافرة حتى الساعة لأن دور الموفدين الدوليين إلى لبنان يقتصر حالياً على حث الأطراف المحلية لانتخاب الرئيس في موعده الدستوري، إلا إذا ارتأوا أن نصائحهم لا تلقى تجاوباً وبات على المجتمع الدولي بالتعاون مع القوى الإقليمية الفاعلة في لبنان بأن يتخذ قراره بالتدخل حتى لا يكون مصير الجلسات الانتخابية كمصير الجلسة الأخيرة التي يمكن أن تفتح الباب أمام تبادل تعطيل النصاب لانعقادها كرد على «حزب الله» الذي أدار تعطيل الجلسة متخذاً من مقاطعة تكتل «لبنان القوي» لها ذريعة لحسابات خاصة به.